لست صوفياً.. غير أنني معجب بالمشاعر الوجدانية الإنسانية، والتي أساسها ولبها وذروة سنامها، بل كلها الحب ولا سواه. الحب.. هل تعرفه؟! هل ملأ شغاف قلبك؟ هل ذقت حلاوة سعادته، وحلاوة عذابه؟! الحب لمن سعد به شيء عظيم يطلب المزيد من سيطرته على الروح والعقل.. الحب مقدم عنده على كل شيء من آمال وأعمال حياته الدنيوية. ** ** ** الحب أرقى القيم بعد الإيمان.. بل لا يكون الايمان حقيقياً صادقاً إلا إذا أحببت الله، وأحببت رسوله، وأحببت دينه، وأحببت راضياً القيام بكل ما يتطلبه هذا الحب منك. انك لا تحب الله كامل وصادق الحب إذا خالفت شرعه، ولا تكون محباً حقيقياً له إذا لم تتمسك بتعاليم دينه، وأن تحب خلقه، وترحمهم. لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيعُ ** ** ** ثمانون آية قرآنية كريمة تحمل كل صور وألوان وواجبات الحب الحقيقي. (ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم). (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم). والحب المتبادل بين طرفيْ الحب يرسم لنا منهج الحياة الطيبة، ويقربنا من الله تعالى، ويجعلنا ممن هم بالإيمان متمسكون، ويحب من يحبونه مخلصين. الحب صدقٌ في القول، والعمل، والشعور تجاه من تحب. الحب تواضع لمن تحب، وسعي دائب لإرضائه، وعمل كل ما يقربك إليه. ** ** ** تتجلى مظاهر الحب النبيلة في التضحية ونبذ الأنانية، فالحب يحيط صاحبه بهالات من حبه للآخرين، والرحمة بهم، والإشفاق عليهم. الحب يمنع الجشع ويقف ضد الأنانية والتسلط، بل هو من أول دوافع الأخذ بالحق، وعوامل الإيثار. هو الذي يدفع الأب لأنْ يقدم مطالب أولاده على ضروراته هو، وهو الذي يمنع أصحاب السلطة من الاستغلال لما عند الناس حولهم فكم من المسؤولين - على تنوع مراكزهم القيادية، ووظائفهم الإدارية - أخذوا من حقوق غيرهم، ونهبوا من ثروات ما تحت يدهم، وبطشوا بمن هم دونهم.. لكن لابد للحق من يوم يقوم فيه؛ فإن الحق من أسماء الله تعالى التي لا يتوقف صداها، ولا يضيع تأثيرها. وكم يندم من يسلب حقوق الآخرين عندما تنكشف الأمور، ويتضح الحق؛ ساعتها لا يجدي الندم؛ فالجزاء يكون دائماً كبيراً قاسياً بحجم ما كان من ظلم وطغيان. والأحداث حولنا خير شاهد على ما يجنيه أصحاب الجشع الذين ضاع حب الخير من نفوسهم، فكان لهم سوء العاقبة، وبشاعة المصير. أيها الكرام المحبون.. أيها الأبرار الأنقياء.. أيها الناصحون الأصفياء.. اغرسوا معاني الحب واشربوها وأطعموها للناس جميعاً حتى تنمو أجسامهم وتكبر عقولهم، وتثمر نفوسهم حباً كالذي ارتووه منكم، وحتى تكون محبتهم للناس فوق حبهم لأنفسهم ومطامعهم وسيطرتهم فليعرفوا نهاية الحياة المحيطة بهم، وكيف تكون ذكراهم بعد رحيلهم. وكم يندم من يسلب حقوق الآخرين عندما تنكشف الأمور، ويتضح الحق؛ ساعتها لا يجدي الندم؛ فالجزاء يكون دائماً كبيراً قاسياً بحجم ما كان من ظلم وطغيان. ** ** ** قيم الحب إذا كانت في جواهر وعظيم الفعال تكون قيماً عظيمة تجعل حياتنا سعيدة، وننال بها حب الله، وهو أسمى وأرقى صور الحب التي أضاعها بعض الناس فخسروا حب الله لهم، وحتماً سيخسرون حب الناس لهم، بل وسيقاسون من شماتة المظلومين بهم. - إذا أردت أن تحظى بحب الله فلا تعتدِ على حياة وحقوق الناس، وأمن وسلامة الوطن (إن الله لا يحب المفسدين). - إذا رغبت أن تسعد بحب الله فلا تظلم الآخرين في شيء يخصهم (والله لا يحب الظالمين) وما أكثر صور الظلم في حياتنا المعاصرة. - قيمة التواضع ورقة التعامل تمنحانك شرف حب الله لك. (إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً).. مختالاً على الناس فخوراً بجاهه وماله. ** ** ** ومن أكثر صور ما يبعد المرء عن حب الله هو الخيانة. فظيع جداً ما يترتب على الخيانة، فإذا كان ذلك في المال العام وطريقة إنفاقه فإنه أشد وأنكى. أيها الخائن.. هل تقبل أن يحدث لك أو معك من الخيانة مثل ما تفعل.. ألا تعرف أنك بخيانتك تفقد حب الله لك، ويصبح كسبك حراماً فلا تأكل في بطنك ولا تلبس على جسمك إلا ما جاء من حرام (النار أخف منه)؟ أما سمعت الآية الجليلة المعنى في قوله تعالى: (إن الله لا يحب من كان خواناً أثيما)؟ قيمة الأمانة في كل صورها تجعلك ممن يحبهم الله، فلا تخن، ولا تخترق سور الأمانات في أي صورة من صورها الحسية والمعنوية. ماذا بقي لك في حياتك أيها الخائن بعد أن كرهك الله - ويسبب لك كراهية الناس!! ** ** ** - حب الله لك يتطلب منك السعي بالخير والإصلاح. - لا للفساد (إن الله لا يحب المفسدين). وهكذا.. أنت في حوزة ورضاء أعظم حب.. حب الله لك إذا تمسكت بقيم الإيمان وعملت بقيم الإسلام. يا كلّ من يسعى للسعادة.. سعادة الحب.. عليك بالحب الأعظم، وكن له محباً صادقاً، ولا تخسر هذا النعيم الخالد.. بهذا الحب الإلهي العظيم. ** ** ** أنا لا أقول هذا ليكون مجرد كلام يُقرأ، ولا مجرد نصح يُنشر.. لكنني أهيب بالجميع أن يتدبروا في لحظات خلوّ مع النفس حقيقة... هذا القول، ويتحلوا بما قد يكون غائباً عنهم من صور الحب، وليكن لديهم يقين بأن كل من يحظى بحب الله له ورضائه عليه فكل شيء عنده بعد ذلك هين. ** ** ** لا تحرموا أنفسكم من جنات النعيم.. لا تحيدوا عن الحب الأعظم الكبير... فالحرمان من حب الله خسارة لا تعدلها كل الدنيا وما فيها، فأسعدوا به أرواحكم.. أشغلوا به قلوبكم وعقولكم. هذه ملامح موجزة عن حقيقة هذا الجوهر الذي يعمر القلب ويختلج في الروح إنه الحب، والحب بمفهومه الكبير المتسع الشامل يحقق أجمل حياة، وأسعد مشاعر للإنسان. يا ليتنا جميعاً نحب.. يا ليتنا جميعاً نحب الله الحب الصادق القوي.. فنحب كل ما جاء به حبيبنا الرسول صلى الله عليه وسلم من عظيم القيم، وطاهر السلوكيات، ونحب الناس الذين تقترب منهم أرواحنا، وتتآلف معهم قلوبنا، وتشتعل أشواقنا لهم في وجداننا. الحب هو أنت.. هو ذاتك.. هو عقلك المفكر، هو قلبك الخافق... هو وجدانك الشاعر. فلنكن مع المحبين الذين عرفناهم في تاريخ الحب العظيم. فلم يؤثر عنهم شيء غير الحب، ولم تمس قلوبهم شائبة البغضاء أو الكراهية لحظة واحدة. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدّنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد..