تناولت محاضرة الشيخ الدكتور عبدالواحد المغربي خلال الملتقى الرمضاني السابع الذي تنظمه دائرة السياحة والتسويق التجاري في دبي نظرية المحبة في الإسلام وضوابطها والأسباب الجالبة للمحبة، ودور المرأة المسلمة في غرس المحبة في الجيل الجديد وأهمية المحبة باعتبارها قمة الإيمان في التنشئة الإيمانية للغرس الإسلامي . استهل الدكتور المغربي حديثه الذي جاء تحت عنوان \"ريحانة الحب في رمضان\" وفي اليوم الرابع من ايام الملتقى الرمضاني السابع، مبينًا معنى المحبة فذكر أنها حلاوة الإيمان ولذة ذكر الله عز وجل مصداقًًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم \"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...\"، وهذه المحبة بها ولها وجدت المخلوقات وهي أساس للكون والموجودات الموحدة لله، فلا بد أن تكون من أسس غرسنا الإسلامي بل أعظم أسسه إذ عليها مدار التوحيد ومنها ينبثق. وذكر أيضًا أن منزلة المحبة من منازل إياك نعبد وإياك نستعين وهي النور، من فقدها فقد فقد الحياة، ومن فاز بها فقد فاز بكل شيء، وقد قال تعالى في الحديث القدسي وجبت محبتي للمتجالسين فيّ، وهي وجوب الحمد والشكر على نعمة الإسلام والصيام والقيام وعدم الانشغال بالملهيات والمسارح والمعازف، فنعم الله وأفضاله على عباده لا تحصى فعلى أبنائنا أن تلهج ألسنتهم بل علينا جميعًا أن نلهج بذكر الله في كل حين. لذة وأنس: ثم قال المغربي إن المحبة لذة وأنس، هي الحب الصادق الذي يجعل كل جوارح الإنسان في طاعة دائمة، وشتان بين من يلهج قلبه بذكر الله وبين من يخفق قلبه بحب غير الله، فالغرس الذي نتغياه لا بد أن يستشعر هذه اللذة وهذا الأنس بالطاعة لا أن تكون حركات يؤديها تمضي ويمضي، فلا بد له من وقفة يفعّل فيها عبادته ويتساءل هل يستشعر فيها لذة وانصلاح حال أو أن الأمر ظل كما كان قبلها وليراجع نفسه آنًا بعد آن وحالاً بعد حال. ثم عرج على أثر هذا الحب في الصحابة رضوان الله عليهم فقد قدموا كل ما يملكون في سوق الآخرة فربحوا وتأخر المفلسون، فهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب الذي تردد في إيثار نفسه بالمحبة وهنا أوضح له الرسول قائلاً لا يا عمر ونفسك أيضًا فقال عمر ونفسي يا رسول الله فقال له صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر، وعثمان الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم لا يضر عثمان ما فعل بعد اليوم بعد جهز جيش العسرة من ماله الخاص، وعلي وغيرهم من المهاجرين والأنصار الذين آثروا الرسول على أنفسهم في حياته وتحروا تطبيق سنته بعد مماته، فكانوا خير القرون حقًّا، وحق لهم أن يفوزوا بقول الرسول فيهم: الله الله في أصحابي، وهو بيان لمقامهم وجهادهم. علامة الحب: وتساءل الدكتور المغربي بعد ذلك عن علامة الحب؟ وأجاب أن الحب لا بد أن يكون شاملاً للإنسان كله، متبعًا للرسول فقد قرن الله محبته باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم \"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم..\"، فاتباع الرسول هو العلامة الصادقة، وقال إننا بحاجة إلى تجديد الحب في الله حتى تؤتى الشجرة أكلها طيبة. ثم انتقل إلى بيان أن معرفة قدر الله عز وجل وسلطانه وقوته وجبروته وأسمائه وصفاته وأفعاله أشرف ما في الوجود لأنها تجعل القلوب أواهة توابة أوابة، فالمحب لا بد أن يتذلل لمن يحب فتنصلح القلوب وتألف طريق الطاعة وتبغض طريق المعصية، وتحب الحق وتبغض الباطل وتتوق إلى الصلاة وقراءة القرآن وتبغض المزامير، ومن هنا وجه المغربي حديثه لجيل النصر المنشود بأن يحرص على التعرف إلى الله أسماء وصفات وأفعالاً حتى يعظم ربه ويحبه بعبادته وحده إذ هي الغاية التي خلق من أجلها الجن والإنس. المحبة الإيمانية: واستطرد الدكتور المغربي في بيان معنى المحبة الإيمانية وضوابطها فذكر أن العبادة التي ذكر أنها الغاية من خلق الجن والإنس إذا كانت اسمًا جامعًا فهي غاية الحب بغاية الذل كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية، فيستجيب هذا الجيل بهذه المحبة لله عز وجل في المنشط والمكره، ويثبت كثبات الجبال لا تغيره الفتن والحوادث فيعرف المعروف ويدعو إليه وينكر المنكر وينهى عنه، وأهاب بالغرس الجديد أن يستشعر هذه المعاني لئلا يقع تحت قوله تعالى \"وما قدروا الله حق قدره ...\" التي فسرها السعدي بقوله ما عظموا الله بمحبته بطاعته وبالقرب منه. وقال إن المحبة لا بد أن تسمو على الدنيا بشهواتها وملذاتها، ثم تساءل: لماذا نحب الله عز وجل؟ وأجاب إن الله هو المنعم علينا بالإسلام وهي أعظم نعمة، ومنعم علينا بالقرآن، ومنعم علينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعم علينا برمضان وتوفيقنا للصلاة والقيام، بالأخوة والصفاء، والقرب والتوبة، فكيف يا شباب الإسلام وغرسه الرباني تعصيه في رمضان، أهذا شكر للمنعم؟! ووجه حديثه إلى الشباب أن هذا رمضان فعليكم أن تغتنموه فهو سفينة النجاة لكم فيجب أن تسارعوا بركوبها لتنجو من المهلكات، وهذه رحمة الله للمسلمين، فما الحيلة إن لم يسعفنا برحمته؟! تساؤلات؟: وألقى الدكتور المغربي على الحضور سؤالاً آخر وهو ما علامة المحب ومن أشد الناس حبا لله، وبم نفرح؟ وكانت إجابته أن المحب من لا توقفه كثرة الذكر لمن يحب فهو دائم التطلع إلى المزيد لا يرى في ذكره شيئًا أمام عظمة الجبار، وهذا حال المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد كان دائم الحمد والثناء لله في يقظته ونومه في حله وترحاله حتى قبل دخوله الخلاء وفي تنعله وأكله ولبسه لا بد له ذكر، لسانه رطب دائمًا بذكر الله، تدخل عليه عائشة فتقول فيم التكلف يا رسول الله وقد غفر الله لك ويرد عليها أفلا أكون عبدًا شكورًا، فليسأل جيلنا المنشود نفسه أين موقعه من هذا الهدي النبوي، إن عليه أن يضع هذا نصب عينه ليكون قائدًا له في حياته كلها. ولفت إلى أن الجيل الجديد لا بد أن يحدد لنفسه طريقًا واضحًا يقيس به حاجته من هذه الدنيا حتى لا تستهويه فيزل مع أول عقبة تقف في وجهه فيكون الفشل، ومن هذا الطريق الواضح ألا يفرح بما تأتي به الدنيا لأنها متقلبة وإن أتت ليوجهها فيما ينفعه في آخرته ودنياه، إن عليه أن يفرح بطاعته ولا يتوقف عندها بل يظل في زيادة بعد زيادة لأن قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفرح بذكر الله والمداومة عليه يفرح بالقيام بطاعة الله والبعد عن المعاصي، يفرح بسعادة القلب، لا يركن إلى حب غير حب الله ورسوله، يستعذب ما يلاقيه في سبيل ذلك، ويعلم أنه ضربية الحب الحقيقي. وذكر المغربي حادثة وقعت بين هارون الرشيد وأحد الصالحين الذي دخل عليه فقال له: عظني، فنظر الرجل إلى كوب ماء كان أمام هارون الرشيد وقال له: ما رأيك لو منع هذا الكوب عنك بأي شيء كنت تفديه قال له أفديه بنصف ملكي. فقال له: وإذا منع عنك إخراجه، قال أفديه بالنصف الآخر، فقال له: إذن لا تفرح بملك لا يساوي شربة ولا بولة. وأضاف أن لا شيء يعدل حب الله ورسوله كما توعد الله عز وجل من يؤثر حب أحد على حبه وحب رسوله بانتظار العقاب، فشراب الحب هو الترياق والمذاق والنجاة. مراقبة: وذكر أن من الأسباب الباعثة على المحبة مراقبة الله عز وجل في كل كبيرة وصغيرة، فلا يجب أن يكون غرسنا الإسلامي ممن إذا خلا بمحارم الله انتهكها، فالله لا يعذب نفوسًا دلت عليه، لذا فمعرفة الله الحقة تدفع إلى محبته، ولا يذوق طعم التذلل لله إلا الغريب عن الشرك والمعاصي، وهذه هي مفهوم الغربة الحقيقية. وتطرق إلى مسألة الخلوة وضرورتها في تحقيق المحبة، فالتذلل للنجاة من النار، في جوف الليل والله يناديه هل من مستغفر، فيجب على شبابنا اغتنام هذه الفرص، وتساءل أين المحبون؟ وقال: إن غرسنا يحتاج إلى دنو من العزيز الكريم دنو لا يغيره الدهر، ولماذا يكونون أشد حبًّا لله؟ ما ذلك إلا لأنهم صادقون في توحيده، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية كلما ازداد المرء حبًّا ازداد قربًا لله وحرية. رهبان الليل: وعرج الدكتور المغربي على موقف الأنصار رهبان الليل فرسان النهار حين وقع تقسيم الغنائم ولم يعطهم الرسول صلى الله عليه وسلم فوجدوا في أنفسهم شيئًا، فقال لهم ألا ترضون أن يذهب هؤلاء بالشاة والبعير وتذهبون أنتم برسول الله لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار وترحم عليهم فبكى الأنصار لحبهم لرسول الله، وهذا رجل يصلي يسقط الجدار بجانبه ولا يتحرك لأنه مشغول بحب الله في صلاته، وآخر يدخل عليه الأسد ولا يهتم ويقول له إن كنت مأمورًا بأكلي فكلني أو اتركني لربي، وهذا يبين لجيلنا أن حب الله إذا ترسخ في قلوبهم استطاعوا أن يبنوا أمة راسخة رسوخ الجبال، ويجب عليهم أن يقارنوا حالهم بهؤلاء السلف، ويغيروا ما بأنفسهم شيئًا فشيئًا ولا يكلّوا بما يحققون وإن كان يسيرًا فإنه مكتمل بتراكمه لا محالة. المرأة المسلمة: ثم انتقل إلى بيان دور المرأة المسلمة في تربية النشء والغرس الإسلامي فذكر أن عليها مسؤولية عظيمة وهي بناء نفسها أولا ولكن من أين؟ وأجاب المغربي إن على المرأة المسلمة أن تقتدي بأمهات المؤمنين والسلف الصالح فها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تردد آية واحدة من القرآن وتظل ترددها وتبكي خشية لله وحبًّا، ولا ينبغي أن تأخذ قدوتها من الشارع أو من الإعلام وربات الغزو الفكري، ولتستمع إلى قول الرسول: إنها إذا حصنت فرجها وأدت فرضها وأطاعت زوجها كانت بهذه الشروط من الصالحات الفائزات بالجنة، ولا يمكن أن ينشأ الغرس موحدًا والتربة فاسدة بعيدة عن الله إلا نادرًا لا يقاس عليه. عشرة أسباب وختم الدكتور المغربي محاضرته بأسباب عشرة جالبة للسعادة ذكرها ابن القيم وهي تمثل دستورًا للغرس الإسلامي إن طبقها علا وسما وحقق ما نصبو إليه من نهضة وتقدم، وهي: 1 قراءة القرآن تدبرًا وتفهمًا لمعانيه واستخراج الدروس والعبر لكي يصير منهجًا له في الحياة، فالقرآن روح وحياة وشفاء وهداية، من اتبعه عز ومن تركه ذل. 2 وثاني هذه العشرة هو التقرب إلى الله بالنوافل والطاعات في كل آن، وتحقيق التوبة للنفس ولخاصته ولعامة الناس، فعليك أيها الغرس أن تعود لتزداد حبًّا وقربًا من الله. 3 وثالثها هو دوام ذكر الله على كل حال، وكلما كثر الذكر كانت المحبة أعظم. 4 ورابعها إيثارمحابّ الله على محابّ النفس عند غلبات الهوى فهناك ثلاث مهلكات منها هوى متبع. 5 وخامسها مشاهدة برّ الله وإحسانه وآلائه وهذا يوصل إلى المحبة. 6 وسادسها مطالعة القلب لأسمائه وصفاته وأفعاله عز وجل. 7 وسابعها انكسار القلب والتذلل بين يدي الجبار عز شأنه. 8 وثامنها مجالسة الصالحين وانتقائهم. 9 وتاسعها مباعدة كل سبب يحول بين الله والقلب. 10 وعاشرها الدعاء في كل وقت ومناجاته بصدق وخضوع. وقال إن هذه الأسباب تبني لنا جيلاً متماسكًا فزاعًا إلى ربه في كل أمر جادًّا في عمله بعيدًا عن مسالك الهوى والشيطان يبني ويعمر ويشيد أركان النهضة المرجوة.