خُلق الإنسان محباً للدنيا ولجمع المال والاستمتاع به . والإنسان يخشى الفقر حتى لو كان غنياً , فهو يسعى إلى أن يكون لديه المزيد من المال . كما أن الحاجة تدفع الناس إلى تكديس المال , وهم بذلك يخدعون أنفسهم لأنهم يعتقدون أن الحصول على المال يجعلهم أكثر غنى ونجاحاً , وبالتالي فهم يحققون أحلامهم ورغباتهم وربما يحصلون على كل ما يتمنونه من قوة وحب وسيطرة , ولكن هل يستطيع الإنسان أن يحقق كل أحلامه , أو هل كل ما يتمنى المرء يدركه ؟! والقناعة هي المفتاح السحري لكي تستمتع بما يوجد في هذه الحياة , أي أن لا تفكر كثيراً في المستقبل , بل عليك أن تعيش الحاضر لترى مقدار ما أنعم الله عليك فيه من نعم كثيرة وبالطبع يجب أن تعمل وتكافح لتكون أفضل حالاً وليس لتكون جامعاً للمال والعقار .. إلخ من أجل أن يرثك الآخرون دون أن تتمتع بهذا المال , وتتصدق بجزء منه على الفقراء والمحتاجين ... ومن القصص المؤثرة تلك القصة التي أوردتها الكاتبة الأمريكية الدكتورة شيري سكوت في أحد كتبها , والتي تشير إلى أهمية القناعة في الحياة.. تقول الدكتورة سكوت :" كان الزوجان ألان وليندا يحلمان دائماً بأن يعيشا " حياة الثراء" . كانا من الأسر الفقيرة والطبقة العاملة الكادحة , تزوجا وهما صغيران وحرصا على أن يحققا هدفهما وهو أن تكون لديهما ثروة ويصبحا من الأغنياء . وقد عملا بجد واجتهاد , حتى استطاعا أن يجمعا ثروة صغيرة , وانتقلا إلى منزل أرقى في وسط طبقة المجتمع الغنية . وحرصا على أن يكثفا جهدهما للحصول على كل الأشياء التي يرغبان فيها بوفرة , مثل الحصول على العضوية في أحد النوادي المرفهة , واقتناء السيارات الفارهة , وأن يكون لديهما مصمم أزياء , وأصدقاء من الطبقة الراقية في المجتمع ... وفي عام 1987م حدث انهيار في سوق المال (البورصة أو سوق الأسهم) وفقد كل منهما مبلغاً كبيراً من المال , والشيء الغريب أنهما أقاما دعاوى قضائية استنزفت قدراً كبيراً جداً من مدخراتهما , وتوالت عليهما المشكلات حتى وجدا أنفسهما في أزمة مالية خانقة , مما اضطرهما إلى بيع ممتلكاتهما , والتخلي عن عضوية النادي والمنزل الفخم والسيارات الفارهة ... وتضيف الكاتبة الأمريكية : لقد استغرق الزوجان سنوات عديدة عملا فيها باجتهاد لكي يقفا على أقدامهما مرة أخرى , إلا أنهما أصبحا بعيدين عن حياة البذخ والإسراف , ومدركين أن الحياة التي يعيشانها هي حياة مباركة , ولم يتبق لهما إلا الزواج السعيد والصحة والدخل المحدود الذي يلبي احتياجاتهما والأصدقاء المخلصين لهما.. وتنهي الكاتبة قصتها قائلة : لقد قدر الزوجان أهمية ما حدث لهما وأدركا أن الوفرة الحقيقية لا تأتي من تكديس الأموال ولكن تأتي من تقدير قيمة الحياة . إن ما ذكرته الكاتبة الأمريكية يمكن تلخيصه بكلمة واحدة هي "القناعة" . والقناعة كما يقول المثل كنز لا يفنى ... وهناك أحاديث نبوية شريفة تحث على القناعة وعلى عدم الحرص الشديد على الدنيا , سواء في حب المال أو العيش , ومن هذه الأحاديث النبوية الشريفة «ليس الغنى عن كثرة العرض, ولكن الغنى غنى النفس» أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة إن القناعة ليست الكسل والتواكل , بل هي أن تعمل بجد وإخلاص دون أن تحرص على تكديس الأموال أو الحرص على ما في أيدي الناس . القناعة هي أن تعيش وأنت تتمتع بالثقة الداخلية بأنك تعمل وتشقى ولا تحتاج إلى ماعند الناس ... وأن تكون دائماً متمتعاً بالرضا والسعادة ، واللتين تنبعان من عدم الحرص على جمع المزيد من المال الذي يسبب لك قلقاً دائماً على المستقبل ... فالمستقبل بيد الله تعالى إذا عملت وتوكلت عليه سبحانه في كل أعمالك .....