يقول مصطفى صادق الرافعي واصفًا كتاب المساكين (هذا كتاب المساكين، فمن لم يكن مسكينًا لا يقرؤه؛ لأنه لا يفهمه، ومَن كان مسكينًا فحسبي به قارئًا والسلام). هو كتاب يتحدّث عن حقيقة الغنى، وأسباب الجشع، وفلسفة الحياة في جوهرها النظيف، لا في شكلها المادي القبيح. في بدايته حكمة للفيلسوف (يو جينيس) تقول: (ينبغي أن تُقدّر ثروة الإنسان لا بأمواله ومستغلاته، بل بعدد الأشياء التي يستطيع أن يعيش غير محتاج إليها). وفي مقدمة الكتاب، يتساءل الرافعي عن المعنى الدارج للغنى لدى العامة فيقول: (هل يظن مَن اجتمعت له نفقة ألف سنة أنه سينال فيما بقي من عمره القصير لذة كلذة عيشه ألف سنة، وأنه إذا ادّخر ما يقوم بمئة ألف إنسان فقد صار هو في الأرض مئة ألف بطن..! إن حياة الغنى على هذا الوجه لا تكون إلاّ موتًا على طريقة الحياة، فما الإسراف في جمع المال، والكَلَب عليه إلاّ طريقة دنيئة لإنفاق العمر...)! تلكم نظرة عميقة لداء عضال قلّما ينجو من الغرام به إنسان على كوكب الأرض اليوم، لكنها الحقيقة المرّة التي جلبت للبشرية شقاء لن ينتهي إلاّ بزوال الكوكب، فهذا الفقر المدقع، إنما هو محصلة جشع موغل. وما تزايد طبقات الفقراء، وتضاعف أعدادهم إلاّ لأن هناك مَن يرغب في جمع نفقة ألف سنة يعيش فيها حياة الأباطرة بما فيها من لغو وفجور، وتبذير وتبديد، وسفه وحمق. وهذا رمضان قد أقبل، وبميلاده قد أشرق، وهو فرصة لمن أراد جمع نفقة ألف عام، أن يتخفف من هذه الزائلة الفانية، وليكتفِ بمئة عام له ولذريته من بعده، ثم لينظر عن يمينه وعن شماله بعين متجردة، وقلب صادق.. لينظر كم من الفقراء يتطلّعون، وكم من المساكين ينتظرون! وليتجرد لله الغني الحميد، فيقرض ربه قرضًا حسنًا ليضاعفه في غده الأبدي أضعافًا كثيرة. هذا هو الرافعي يعظ النفس الشفافة ذات الحظ العظيم، فلعلّها تسمع، ولعلّ اليد تطلق مارد المال من عقاله لتستظل به جموع المحتاجين من الفقراء والمساكين. اللهم احشرنا في زمرة المساكين!!