يُذكر عن شارل ديغول أنه قال في لحظة تذمر "كيف تحكم شعباً يتناول 240 نوعاً من الجبن".. وإن سلّمنا جدلاً بصعوبة حكم الشعب الفرنسي فلا يمكننا التأكد من عدد الجبن الذي يصنعه ؛ فهذه المعضلة لم يحلها الفرنسيون أنفسهم حيث هناك جدل دائم حول صحة العدد الذي ذكره ديغول؛ فمنهم من يعتبره مبالغا وآخرون يدّعون أنه يرتفع إلى 360 نوعاً - أي بإمكانك تناول نوعاً مختلفاً من الجبن طوال أيام السنة !! وما يهمنا اليوم هو التذكير بأن مهارتنا في صنع أنواع مختلفة من الأطعمة تعود في كثير منها إلى قدرتنا على استغلال الأنواع الحميدة من الميكروبات؛ فمهارة الفرنسيين في إنتاج الأجبان مثلاً تعود إلى عراقة الأساليب التي تعمد إليها المقاطعات الفرنسية بخصوص مدة ونوعية التخزين (وبالتالي الخروج بتنوعات واسعة في كمية ونوعية البكتيريا التي تعشعش داخل تلك الأجبان).. ولو فكرنا بأخذ جولة حول العالم سنكتشف شعوبا كثيرة تعتمد علمت بذلك أم جهلت على البكتيريا في صنع أغذيتها وأطعمتها اليومية كالألبان والأجبان والمنكهات والفسيخ، وخميرة الخبز وبعض المربيات واللحوم المقددة والفواكة المتخمرة .. أما تصنيع العلف الحيواني من البكتيريا فيعود إلى ستينيات القرن العشرين واليوم تستهلك دول الاتحاد الأوربي مليونيْ طن من العلف البكتيري كل عام لإطعام المواشي والأسماك وأبقار المزارع (وهذا بالمناسبة غير استغلال الميكروبات لصنع كثير من الأدوية والمضادات الحيوية)! ... وكل هذا يثبت اعتماد الإنسان القديم على الميكروبات في صنع طعامه (ومالا تدخل في صنعه البكتيريا تساهم في هضمه وتفكيكه من خلال تواجدها في فمه ومعدته وأمعائه)! أما التفكير باستغلال الميكروبات لإنتاج الطعام والعلف (في مصانع خاصة) فيعود إلى تمتع البكتيريا بثلاث مزايا رئيسية : * الميزة الأولى قدرتها على التكاثر لحدود خيالية في وقت قياسي. * والثانية أنه بإمكانها التغذية على (أي شيء) تقريباً بما في ذلك النفايات وفضلات النفط. * والثالثة أنها غنية جداً بالبروتينات والكربوهيدرات والأملاح والفيتامينات الصالحة للبشر! ويعتبر مشروع "نورفيرم" النرويجي أول نموذج ناجح لما سيحدث مستقبلا. فهذا المشروع الذي تساهم فيه الحكومة مع شركات النفط تمخض عن بناء مصنع لإنتاج الطعام البكتيري تبلغ طاقته السنوية 10 آلاف طن. والمواد الأساسية للإنتاج هي البكتيريا والأوكسجين وغاز النفط المستخرج من بحر الشمال. وستشمل المنتجات أنواعاً من الشطائر واللحوم والخضروات ليست سوى طعام بكتيري مصنع ومغلف في أشكال "طبيعية" مغرية !! ... وهنا قد يتساءل البعض: طالما التقنية موجودة لماذا لم يتم استغلال الميكروبات ذاتها كغذاء مباشر للبشر؟ ... لست متأكدا من الجواب ، ولكن قد يعود ذلك إلى طبيعة البشر أنفسهم؛ فقد ارتبطت "الميكروبات" في أذهان الناس بالأمراض وتعفن الأطعمة وبالتالي ما من إنسان يستسيغ تناول وجبة من الميكروبات المستخرجة من النفايات أو البترول . وهذا الموقف جعل بعض العلماء يقترحون إطلاق اسم "بروتين الخلية المفردة" على الطعام الميكروبي .. أما غير ذلك فمنتجات الميكروبات تستعمل حالياً كعلف للماشية ويستهلكها الانسان كلحوم وألبان وأجبان وهي توجد على أي حال في أمعائه وتحلل طعامه دون علمه أو اختياره !!