تنتشر في بيئة الإنسان والحيوان أنواع كثيرة من الميكروبات المفيدة والضارة، ومنها الفيروسات والبكتيريا والطفيليات والفطريات، وأكثر هذه الميكروبات مفيدة ومهمة لحياة الإنسان بشكل مباشر وغير مباشر، خاصة الأنواع التى تستقر وتتكاثر بصورة طبيعية وبأعداد كبيرة في الأمعاء وتخرج مع البراز، وفي مقدمتها بكتيريا القولون. ولكن على الجانب الآخر هناك أنواع قليلة من الميكروبات المعدية التي تؤدي إلى الأمراض والوفيات إذا وصلت إلى الجهاز الهضمي للإنسان وحتى لبعض الحيوانات الأليفة التي يتغذى عليها الإنسان، وتشير الدراسات وتقارير منظمة الصحة العالمية وغيرها إلى أن هناك ملايين الأشخاص سنويا يمرضون نتيجة تلوث المياه وتسمم الطعام. ويعتبر الماء والطعام الوسيلة المناسبة والسهلة لنقل الميكروبات الممرضة؛ لذلك يجب منع تلوثهما بالميكروبات للمحافظة على الصحة العامة في أي تجمع بشري، وقد يحدث أن تصل إلى أمعاء الإنسان أو الحيوان أنواع من الميكروبات الممرضة وتتكاثر بأعداد كافية مسببة الإسهالات، وفي حالات قليلة تسبب خمج الدم والأنسجة الداخلية للجسم، وقد يصبح الإنسان والحيوان بعد مرضهما حاملين لهذه الميكروبات المعدية بشكل مؤقت أو مزمن ولفترات محدودة تستمر من أيام إلى شهور، وقد تبقى بعض الميكروبات كامنة داخل الجسم طوال حياة الشخص المصاب مثل سلمونيلا المسببة لحمى التيفوئيد. بروفيسور علم الميكروبات عاصم الشهابي يشير إلى أن: «التسمم الغذائي بالميكروبات المعدية في مقدمة الأمراض التي يمكن أن تصيب الإنسان خلال حياته اليومية، وبالتأكيد تصل حالات التسمم الغذائي الجماعي في العالم إلى مئات الملايين سنويا، وتمثل وجبات الطعام الجاهزة التي تقدم في المطاعم وتباع في المحال التجارية المسبب الرئيس لحالات التسمم الغذائي الميكروبي في البلدان المتقدمة، وذلك بسبب تحول غالبية الناس في تلك الدول إلى عادة تناول وجبات الطعام خارج البيت أو شرائها جاهزة للأكل، وأما في البلدان النامية والفقيرة فيحدث تلوث الأطعمة أثناء تحضيرها في البيت أو المطاعم نتيجة نقص كميات المياه النقية وعدم العناية بتنظيف الأيدي والأدوات والمواد التي تستعمل في إعداد وجبات الطعام بالشكل المطلوب، إضافة إلى انخفاض مستوى نظافة العاملين ومكان العمل، ولا تتوافر إحصاءات دقيقة عن عدد حالات التسمم الغذائي بالميكروبات بأنواعها المختلفة، وحسب المعلومات المتوافرة يتبين أن هناك مئات من حالات التسمم الغذائي التي تحدث سنويا ويجري معالجتها في المستشفيات، وبالتأكيد هذه الحالات لا تمثل مجمل الحالات، وعموما تكثر حالات التسمم الغذائي خلال أشهر الصيف وخاصة مع ارتفاع درجة حرارة الجو». ويعرف الشهابي حالة التسمم الغذائي الميكروبي بأنها: «مجموعة الأعراض والعلامات المرضية التي تشمل غالبا وفي البداية القيء والإسهال ومغصا باطنيا وغشيانا، وتظهر بعد تناول الطعام الملوث بها وخلال فترة 1 - 48 ساعة، وليس بالضرورة أن تظهر جميع هذه الأعراض والعلامات المشتركة عند كل شخص مصاب بالتسمم الغذائي وبنفس الحدة، كما تلاحظ في حالات قليلة حمى وصداع ومضاعفات خطيرة تؤثر على الجهاز العصبي والتنفسي في جسم المصاب». الواقع المرضي ويستعرض الشهابي الحالات المرضية لهذا النوع من التسمم: «معظم حالات التسمم الغذائي بالميكروبات التي تحدث بشكل جماعي تسببها أنواع قليلة من البكتيريا المعدية أثناء نموها وتكاثرها في الغذاء الملوث أو عند وصولها إلى أمعاء الإنسان بعد تناول الغذاء الملوث بها، وأهمها مجموعة سلمونيلا الالتهاب المعوي، وتحتل المرتبة الأولى كأحد مسببات التسمم الغذائي في معظم الدول المتقدمة والنامية، وتبين الدراسات والتقارير أنه يحدث كل عام حالات تسمم جماعية بالسلمونيلا، وفي حالتين أصيب ما يزيد على 200 شخص نتيجة تناول سندويتشات اللحم مع المايونيز الملوثة بالسلمونيلا، ويعود سبب كثرة حالات التسمم الغذائي بالسلمونيلا لكون مجموعة السلمونيلا المعوية واسعة الانتشار في أمعاء الإنسان والحيوانات والطيور والزواحف، وكذلك سهولة انتقالها إلى الإنسان بواسطة تلوث لحوم الدواجن والبيض والألبان في المزارع أو عن طريق تلوث أيدي العاملين والأدوات أثناء تحضير وجبات الطعام في المطاعم والبيوت أو من خلال تصنيع الأغذية بطريقة غير نظيفة وصحية، وتظهر أعراض التسمم الغذائي بالسلمونيلا بعد تناول الطعام الملوث بها وخلال فترة حضانة مدتها 6 - 24 ساعة، يحدث التهاب معدي- معوي حاد يترافق مع حمى وإسهال مائي شديد وأحيانا مع قيء وإرهاق بالجسم، ويشفى المريض عادة بعد فترة قصيرة لا تتجاوز اليومين، وفي حالات قليلة يفقد المصاب كمية كبيرة من سوائل الجسم أثناء الإسهال ويحتاج إلى مراجعة المستشفى لتعويض ما فقده من سوائل ولمراقبة حالته الصحية ولمنع أي مضاعفات مرضية، ولا ينصح بإعطاء المرضى البالغين أصحاء الجسم عادة المضادات البكتيرية؛ لأن استعمالها يؤدي أحيانا إلى إطالة مدة المرض وزيادة مقاومة بكتيريا السلمونيلا للمضادات المستعملة، إذا لم يتناولها المريض بصورة كافية وصحيحة أثناء فترة العلاج، وأفضل الوسائل لمنع انتشار التسمم الغذائي بالسلمونيلا أن تقوم الدوائر الصحية المختصة بصورة مستمرة بمراقبة ذبح وتنظيف وحفظ لحوم الدجاج وغيرها في المسالخ والمحافظة التامة على نظافة المطاعم والعاملين فيها وسلامة المياه المستعملة والتأكيد على ضرورة حفظ الأغذية المعدة للأكل في الثلاجات التي يجب ألا تزيد درجة حرارتها الداخلية على ثلاث درجات مئوية». أعراض وتشخيص ويتناول الشهابي أعراض الإصابة بمكورات ستافلوكوكس أوريس الذهبية: «يكثر وجود هذه البكتيريا في مناطق مختلفة من جسم الإنسان وخاصة بالأنف وثنايا الجلد والجروح، وتقوم بعض سلالاتها بإفراز نوع من الذيفان السم المقاوم لحرارة غليان الماء «100 درجة مئوية» ولمدة لا تقل عن عشرين دقيقة، وهذه البكتيريا تفرز الذيفان أثناء تكاثرها في أنواع الغذاء الغني بالملح والبروتينات، مثل وجبات الطعام التي تحتوي على اللحوم ومشتقات الألبان والبقوليات التي يتم حفظها بعد التحضير في مكان دافئ بدرجة 20 مئوية وأكثر، ولفترة عدة ساعات قبل تناولها، وبما أن بكتيريا ستافلوكوكس أوريس تنتشر بكثرة في تقرحات وجروح الأيدي، كما توجد في الأنف وتحت أظافر اليد عند نسبة غير قليلة من الأفراد، ولذلك يكثر ويسهل تلوث وجبات الطعام بها أثناء تجهيزها في المطابخ مباشرة عن طريق أيدي العاملين أو الأواني والأدوات المستعملة والملوثة بالبكتيريا، وتشير معظم المراجع العلمية إلى أن التسمم الغذائي بهذا النوع من البكتيريا واسع الانتشار ويأتي في المرتبة الأولى أو الثانية بعد السلمونيلا كمسبب لحالات التسمم الغذائي في العالم، وتتميز مظاهر حالة التسمم الغذائي ببكتيريا ستافلوكوكس أوريس بمدة حضانة قصيرة تتراوح ما بين 1 - 6 ساعات، و بعدها يعاني المريض من غثيان ومغص باطني مع قيء، وفي حالات قليلة يحدث إسهال مائي، ولا يلاحظ ارتفاع في درجة حرارة الجسم، وقد يؤدي القيء والإسهال إذا استمر لعدة ساعات إلى حالة جفاف وإرهاق شديدين في الجسم وخاصة عند الأطفال وكبار السن، وفي معظم الحالات يشفى المريض خلال 24 ساعة ودون الحاجة لاستعمال أي دواء». أما بالنسبة إلى عصيات باسيلس سيريوس: «تنتشر هذه البكتيريا بكثرة في التربة والغبار لكونها تتميز بتكوين الأبواغ المقاومة للجفاف لفترة طويلة أثناء وجودها في الطبيعة، كما أنها تقاوم درجة غليان الماء لفترة لا تقل عن نصف الساعة قبل أن تتلاشى، ولذلك يكثر تلوث محاصيل الأرز والبقوليات ومن ثم الوجبات الغذائية التي تحتوي على الأرز واللحوم بها، وخاصة إذا لم تطبخ جيدا في درجة حرارة عالية، وتحدث حالات التسمم بهذا النوع عندما تترك وجبات الطعام الغنية بالبروتينات والنشويات في مكان دافئ لعدة ساعات، حيث تتكاثر بكتيريا الباسيلس وتفرز الذيفان، وتؤدي إلى حالات تسمم غذائي تشبه لحد كبير في المظاهر المرضية ومدة الحضانة حالات التسمم ببكتيريا ستفلوكوكس أوريس، ويكثر التسمم الغذائي ببكتيريا الباسيلس في بلدان جنوب شرق آسيا والصين نتيجة تناول الرز المسلوق والسمك باردَيْن». وفيما يتعلق بعصيات كلوستريديوم بيرفرنجيس، فيشير الشهابي إلى أنها: « تنتشر بكثرة في الطبيعة وفضلات الإنسان والحيوانات، وتتميز بتكوين الأبواغ المقاومة لدرجة حرارة 100 مئوية لمدة تتراوح بين 1 - 3 ساعات، وتنتج أنواعا مختلفة من الذيفان الممرض للجهاز الهضمي». ويضيف: «تلوث هذه البكتيريا الطعامَ الذي يجهز بكميات كبيرة ويحتوي على اللحوم والأرز، كما تتكاثر هذه البكتيريا في الطعام الذي يترك لفترة ساعات في درجة حرارة دافئة، ويأكل في اليوم التالي بعد التسخين البسيط الذي لا يكفي للقضاء عليها وعلى الذيفان الذي تم إفرازه في الطعام وامتصاصه في الأمعاء الغليظة للشخص المصاب، وتظهر حالة التسمم المرضية بعد حضانة 6 - 36 ساعة، حيث يحدث مغص باطني وإسهال مائي متوسط الشدة يستمر لمدة 1 - 4 أيام، ونادرا ما يحدث قيء أو حمى، ويشفى المريض عادة دون الحاجة لتناول أي علاج». الوقاية خير من العلاج وبالنسبة إلى الوقاية من الإصابة من الميكروبات المعدية، يوضح الدكتور الشهابي: « تشمل خطة مكافحة الإصابة بالميكروبات التي تؤثر على الجهاز الهضمي للإنسان عدة عوامل بسيطة سهلة التطبيق في البيت والمطعم ومصانع الألبان والأغذية ومركز تحضير مياه الشرب والمشروبات، وهي: الاهتمام الشديد بنظافة أيدي العاملين واعتبار عملية غسل اليدين بالماء والصابون أساسية وأسهل وأرخص عمل يمكن أن يقوم به الشخص لمنع خطر انتقال الميكروبات من الإنسان إلى المواد الغذائية وبالعكس أثناء تحضير وجبات الطعام، وإلى جانب ذلك المحافظة على نظافة مكان العمل والأدوات والأواني التي تستعمل في تحضير وجبات الطعام، بحيث يتم تنظيف وتحضير مثلا لحم الدجاج للشواء أو الطبخ وحده، وبعدها يتم غسل اليدين والأدوات المستعملة والانتقال لتحضير السلطة أو أي أطعمة أخرى باستعمال أدوات نظيفة وهكذا، وكذلك عدم ترك وجبات الطعام الجاهزة للأكل مكشوفة للغبار أو في مكان دافئ ولفترة تزيد على نصف ساعة خارج الثلاجة، كما يجب اعتبار أي تغير بالنسبة إلى اللون أوالرائحة أوالمظهر الخارجي للحوم والأسماك والألبان أو المواد الغذائية ووجبات الطعام سببا كافيا للشك في عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، وكذلك يجب أن تقوم الدوائر الصحية الرسمية والمختصة بمراقبة المطاعم والشركات والمؤسسات التي تقدم وتنتج الأطعمة والأغذية، والتأكد من أنها تمارس عملها ضمن شروط صحية سليمة» .