يصر المسؤولون الأمريكيون على أن رسالتهم بشأن مصر لم تتغير وهي أنه يجب أن يسمح الرئيس المصري حسني مبارك بالانتقال السياسي وأن يفعل هذا الآن. لكن واشنطن تمر بوقت حساس تحاول فيه تعريف كيف قد يبدو الانتقال وكم سيدوم ومن الذي قد ينخرط فيه. كل هذا أدى الى انتشار الشكوك بين الجماهير في حقيقة الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع الأزمة التي تهدد بقلب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط المطبقة منذ عقود رأسا على عقب. ويقول محللون سياسيون إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مازالت تصارع في ظل وضع مضطرب مما يؤدي الى صدور رسائل متضاربة بشأن ما اذا كان يعتقد أن الرئيس حسني مبارك مازال له دور في مستقبل مصر السياسي او اي نوع من الحكومات قد تقبل. غير أنهم يصفون هذا بأنه صراع بشأن التكتيكات اكثر منه بشأن السياسة يعززه هدف امريكي شامل هو تحقيق الاستقرار لمصر ثم تشجيعها خطوة بخطوة نحو مزيد من الديمقراطية دون زعزعة استقرار التحالفات الأخرى. وقال روبرت دانين خبير شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية "إنهم يكيفون سرعتهم بما يتلاءم مع تضاريس الأرض." ومضى يقول "الإدارة تحاول التعامل مع عدد من الأجزاء. تنحي مبارك مجرد عنصر واحد من عملية اكبر لضمان ما يحدث بشأن الانتخابات وما يحدث بشأن الانتقال وما يحدث بشأن الدستور." وكان الجانب الجديد الذي توليه الولاياتالمتحدة التركيز واضحا مطلع هذا الأسبوع حين قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون امام مؤتمر أمني في ميونيخ إن مولد مصر من جديد سياسيا قد يستغرق وقتا أطول من الذي يطلبه معارضو مبارك. وأضافت "المباديء واضحة جدا والتفصيلات العملية تشكل تحديا كبيرا" مشيرة الى أن مبارك تعهد بالا يخوض انتخابات الرئاسة مجددا كما وعد بإجراء إصلاحات أخرى في حين توقف العنف ضد المحتجين المناهضين للحكومة. وجاءت تصريحات كلينتون بعد أسبوع من الضغوط على مبارك حتى "يتخذ القرار الصحيح" كما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتفسر على أنها موافقة من الولاياتالمتحدة على انتقال تدريجي الى انتخابات حقيقية. وقد يتيح هذا السيناريو لمبارك (82 عاما) أن يظل في منصبه حتى إجراء الانتخابات في سبتمبر/ أيلول. وعبرت كلينتون ايضا عن دعمها لجهود التواصل التي يبذلها نائب الرئيس عمر سليمان الذي ينظر اليه كثيرون في المعارضة المصرية بتشكك لتاريخه كرئيس للمخابرات العامة في عهد مبارك. وحذرت وزيرة الخارجية الأمريكية من أن قوى متطرفة مستعدة " لتعطيل العملية او الاستيلاء عليها." وأصيب نشطاء مصريون بالقلق وزاد من قلقهم تصريحات فرانك ويزنر الدبلوماسي السابق الذي تم إيفاده الأسبوع الماضي لتوصيل رسالة شخصية من أوباما لمبارك. وقال ويزنر الذي غادر القاهرة فيما يبدو دون إقناع مبارك بالتنحي إن المطالبات بتنحي الرئيس المصري بسرعة قد تأتي بنتيجة عكسية مشيرا الى أنه مازال له دور مهم يجب أن يلعبه. وقال ويزنر للمشاركين في مؤتمر ميونيخ "يجب ان يبقى الرئيس في منصبه لتوجيه هذه التغييرات" في تعليقات تنصلت منها واشنطن غير أنها اعتبرت أنها تمثل على الأقل خيارا تبحثه الولاياتالمتحدة. وبنت واشنطن منهجها نحو الاضطرابات منذ البداية على الأهمية الاستراتيجية لمصر بوصفها اول دولة عربية توقع معاهدة للسلام مع اسرائيل وحامية قناة السويس الى جانب كونها قوة في مواجهة الأصولية بالمنطقة. وندد الزعيم المصري المعارض بنهج الولاياتالمتحدة الأقل حدة ووصفه بأنه "نكسة كبيرة" قد تؤدي الى مظاهرات تتسم بقدر اكبر من الغضب. وقال بريان كاتوليس الخبير الأمني في مركز التقدم الأمريكي وهو مؤسسة بحثية في واشنطن إن إدارة أوباما أدركت أن إعادة تشكيل الساحة السياسية بمصر مع تفادي انزلاقها الى الفوضى ستستغرق وقتا. وقال كاتوليس "التفاوت في القوة الآن بين نخبة السلطة الحالية في الحكومة وأجهزة الأمن من ناحية والمعارضة السياسية من ناحية... قوي." وأضاف "لا أرى أن القوى المعنية تتحرك بسرعة نحو الانفتاح." وأشارت كلينتون ومسؤولون آخرون الى استعدادهم لأن تلعب حركة الاخوان المسلمين دورا في حكومة مستقبلية غير أنهم أكدوا أنه لا مكان على مائدة الحوار سوى لمن يرفضون العنف ويقبلون بالمباديء الأساسية للديمقراطية. لكن بعض المحللين ويشاركهم في هذا الرأي محتجون مصريون يعتقدون أن إدارة أوباما خسرت بالفعل فرصة لتعزيز الحركة الديمقراطية في مصر باختيارها الانخراط بمزيد من العمق مع حكومة مبارك. وقال روبرت سبرينغبورغ الخبير بالشؤون المصرية في كلية الدراسات العليا البحرية الأمريكية "فوتنا فرصة تاريخية لأننا كانت لدينا فرصة لنغير ليس مصر وحسب بل معظم العالم العربي في حركة شعبية لا تنتهج العنف تقودها عناصر متعلمة من الطبقة المتوسطة." وقال دانين من مجلس العلاقات الخارجية إن نهج الولاياتالمتحدة قد يؤدي الى كسب وقت ضروري غير أن النتيجة ستتوقف على ما اذا كانت الولاياتالمتحدة ستواصل الضغط من أجل إجراء تغيير سياسي حقيقي بعد أن يرحل مبارك في النهاية. وأضاف "نحن لا نساوم على ما اذا كان (مبارك) سيرحل نحن نساوم على الوقت والآلية." ومضي يقول "ربما لا يكون مبارك واعدا لكنهم ينحتون الأرض من تحته."