رغم أن الدين كفل للمرأة كامل حقوقها الإنسانية كاملة، إلا أنها لازالت داخل بلدنا تعامل في بعض الأمورعلى أنها " قاصر"، لدرجة أنها -مثلاً- لا تتحمل مسؤولية إجراء عملية خاصة بجسدها ما لم تحصل على موافقة ولي أمرها!. إصرار المستشفيات على أخذ موافقة ولي أمر المرأة على إجراء العملية التي ستجرى لها يجرد المرأة من كونها "عاقلة" و"راشدة" تملك حقها الكامل في معالجة نفسها عندما تحتاج ذلك أسوةً بالرجل، فما هو الرأي القانوني والحقوقي تجاه هذه المسألة؟، وما هو المستند النظامي الذي تلجأ إليه المستشفيات حين تصرّ على أخذ موافقة الولي عندما تتعلق الجراحة بالمرأة؟. ليس من الشرع في البداية يوضح لنا "د.محمد العتيق" -استشاري طب الأسرة- الجانب العملي الإجرائي المتبع هنا في المملكة، حيث يُطلب الاستئذان من ولي الأمر، وهذا ما لا تدعمه الرؤية الشرعية، وبالتالي تنبغي مراجعته وتغييره بما يتفق مع حق المرأة في ذلك كما قرره الشرع، مضيفاً: "الأطباء والجراحون يجدون أنفسهم تحت طائلة المساءلة فيما لو لم يتبعوا الاجراءات النظامية، رغم علمهم أحياناً بالحكم الشرعي، وتقديرهم لحق المرأة واختيارها لنفسها"، مشيراً إلى أن الجانب الشرعي البحت يحتم التأكد من أن المرأة لديها الأهلية الكاملة لإعطاء الإذن من عدمه عند المعالجة الطبية، سواء كانت لأجل الكشف أوتناول الأدوية أوإجراء العمليات الجراحية. قول الفقهاء وذكر "د.العتيق" أن ما يمنع المرأة من الأهلية هو ما يمنع الرجل، مثل صغرالسن أوفقدان العقل بالأمراض النفسية أوالجنون أوالغيبوية أوغيرها من موانع الأهلية المعروفة، مؤكداً على أن الأمر كما قرره الفقهاء أن المريض متى كان قادراً على التعبير عن إرادته فإنّ الإذن في الإجراء الطبّي حقٌ "متمحّض" له، لا يجوزلأحدٍ أن يتجاوزه، فليس لأحدٍ أن يجبره على الإذن ولا أن يأذن نيابةً عنه، كما أنّه ليس لأحدٍ أن يعترض على إذنه بهذا الإجراء ما لم يكن هناك مبررشرعي لذلك. حالات أخرى وأوضح "د.العتيق" أن هناك نوعاً من أنواع المعالجة التي لا تكفي فيها إذن المرأة لوحدها، مثل ما يتعلق بالزوج كإجراءات منع الحمل أوغيرها، معتبراً أن هذا الحديث لا ينطبق على الإجراءات العاجلة أوالطارئة التي تستدعي تدخلاً سريعاً ولا تحتمل التأخير، كما أنها لا تنطبق كذلك على ما قد يشكل ضرراً على الناس، كالمصابين بالأمراض الوبائية وغيرهم، الذين يؤدون بالضرر إلى غيرهم عند عدم معالجتهم، فهؤلاء يعالجون ولا ينظر إلى اختيارهم من عدمه. المحامي د.علي السويلم المشكلة في التطبيق ويؤكد "د.مفلح القحطاني" -رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان- على أن نظام مزاولة المهن الصحية في المملكة يكفل للمرأة حقها في اتخاذ قرار إجراء جراحة ما أو علاج ما، ولكن المشكلة في التطبيق أو الممارسة، مضيفاً أن بعض العاملين في القطاع الطبي يجهل ذلك ويشترط موافقة ولي الأمر لإجراء التدخل الطبي بالنسبة للمرأة الراشدة، مشدداً على ضرورة نشر وتوزيع نظام المهن الصحية على العاملين في الحقل الطبي، كاشفاً عن قيام الجمعية الوطنية لحقوق الانسان بطبع هذا النظام ولائحته التنفيذية -حالياً- في كتيبات صغيرة وبكميات كبيرة؛ لتوزيعها على القطاعات الطبية المختلفة في إطار اهتمام الجمعية بنشر ثقافة حقوق الإنسان. لا مبرر قانونيا ويقول "د.علي السويلم" -رئيس اللجنة الوطنية للمحامين-: إن الأصل في هذا الموضوع هو أن المريض رجلاً كان أو إمرأة، إذا كان بالغاً عاقلاً قادراً على التعبيرعن إرادته؛ فإن الإذن في الإجراء الطبي هو خاص به وليس لأحد أن يجبره على ذلك، أو يأذن نيابة عنه لإجرائه، مبيناً أنه ليس لأحد الاعتراض على ذلك، ما لم يكن هناك مبرر شرعي كما هو في حالة عدم أهلية المريض أوعدم قدرته على التعبير عن إرادته، فهنا يأتي دورالولي على المريض لإبداء موافقته على الإجراء أو رفضه، وعلى الولي أن يتصرف بما فيه المصلحة للمريض. د.مفلح القحطاني هيئة كبار العلماء وذكر "د.السويلم" أن ما جاء في قرار هيئة كبار العلماء رقم (119) في عام 1404ه أنه: "لا يجوز إجراء عملية جراحية إلاّ بإذن المريض البالغ العاقل، سواءً أكان رجلاً أو امرأة، فإن لم يكن بالغاً عاقلاً فبإذن وليه"، مضيفاً أن المادة 19 من نظام مزاولة المهن الصحية الصادرعام 1426ه نصت على: "لا يجب أن يجرى أي عمل طبي للمريض إلاّ برضاه أو بموافقة من يمثله أو ولي أمره إذا لم يُعتد بإرادته، باستثناء حالات الحوادث والطوارئ والحالات المرضية الحرجة، التي تستدعي تدخلاً طبياً بصفة فورية أو ضرورية لإنقاذ حياة المصاب أوعضو من أعضائه، أو تلافي ضرر بالغ ينتج من تأخيرالتدخل وتعذر الحصول على موافقة المريض أو من يمثله أوولي أمره في الوقت المناسب، عندها يلزم إجراء العمل الطبي دون انتظار الحصول على تلك الموافقة". د.محمد العتيق المريض البالغ العاقل وكذلك يورد "د.السويلم" التعميم الصادر من وكيل وزارة الصحة للشئون التنفيذية في 27/11/1424ه والذي ينص في الفقرة السادسة على أن يخضع توقيع القرارات الطبية الخاصة بالعمل الطبي أو الجراحي إلى موافقة المريض البالغ العاقل، سواءً أكان ذكراً أوأنثى، أما غير البالغين أو فاقدي الأهلية العقلية، فيوقع عنهم الأشخاص المخولون عنهم، ذاكراً أن المادة الحادية والعشرين من اللائحة التنفيذية لنظام وزارة الصحة نصت على وجوب أن يتم أي عمل طبي للإنسان برضاه أو بموافقة من يمثله، إذا لم يعتد بإرادة المريض. حق للمرأة ويوضح "د.السويلم" أنه مما تقدم يتبيّن لنا من قرار هيئة كبارالعلماء ونظام ولائحة مزاولة المهن الصحية، عدم اشتراط موافقة ولي أمر المرأة على إجراء عملية طبية لها إذا كانت قادرة على التعبير عن إرادتها وهي مؤهلة لذلك، وباستثناء الحالات الطارئة التي تتطلب تدخلا جراحيا تكون المرأة فيه فاقدة الوعي أو في حالة صحية لا تمكنها من التعبير عن رأيها تكون موافقة ولي الأمر مطلوبة للقيام بالإجراء الطبي، وكذلك يمكننا القول بأنه توجد حالات تبرر الحصول على إذن الزوج أو ولي الأمر مثل الحالات المؤثرة على الإخصاب والأجنة وعلاج العقم وإزالة الرحم، مشيراً إلى إن لجوء المستشفيات لأخذ إقرار من ولي أمر المرأة لإجراء عملية ربما كان بقصد الحصول على ضمان عدم مطالبة ولي الأمر لها بالتعويض عن الأضرار التي قد تنتج من إجراء العملية للمرأة، ناصحاً بضرورة تطبيق إرادة المرأة بقبول أو رفض إجراء العملية وعدم تعليقه على موافقة ولي الأمر، باعتبار أن ذلك حق يتعلق بسلامتها وراحتها ومستقبلها، ما لم تكن هناك مبررات شرعية لأخذ موافقة شخص آخر.