كيف تستطيع أن تقفز من صراعاتك اليومية، وتختفي بعيداً عن الأنظار من أجل التفكير في كيفية إيجاد أفضل الحلول لمشكلة ما..؟! صعب جداً ان يحدث ذلك في ظل تعقيدات الحياة اليومية، التي أضحت تسيرها وسائل التقنية الحديثة ووسائط العصر التكنولوجية، وهي التي تفكر رغماً عنك، فحتى الخلوص لدقائق من التمعن والتدبر في شؤونك زاحمته تلك الوسائل، وخلقت نوعاً من الحصار على تفكيرك، ووضعته بين أزارير الهاتف المحمول والآي باد وعالم الانترنت، ولا أعلم هل نحتفي بهذه الثورة التكنولوجية أم لا، حيث حاصرت حياتنا وهدت مضاجعنا، من أجمل اللحظات أن تنفرد في الهواء الطلق بين الكثبان الرملية، وداخل بيت الشعر وبالقرب من شبة النار تستنشق رائحة السمر، وتتناول فنجان القهوة، تحت ضوء القمر، هدوء يلف المكان ويحيط بكل من حولك!! فتتذكر قول الشاعر: دغيم الظلماوي: يا كليب شب النار يا كليب شبّه عليك شبّه والحطب لك يجابي وعلي انا يا كليب هيله وحبه وعليك تقليط الدلال العذابي صورة جميلة ورائعة أخفتها أجهزة (اللاب توب) الموجودة حتى في البراري، فماذا فعلت بنا هذه التقنية.؟! التي لم تتركنا حتى ونحن نحاول تركها والبعد عنها، فتجد الشباب حتى وهم في أبعد مكان وقد خرجوا من أجل قضاء ساعات بمخيم في البر، لا هم ّلهم سوى (كم سرعة النت عندك)، فخصوصية بيت الشعر والخيمة انتفت بوجود التلفاز، وتلك التقنيات التي جعل منها البعض ضرورة من الضروريات اليومية، فلا خصوصية للمكان ولا فرصة للذكريات بوجودها، فحتى الحديث عن القصص والقصيد والألغاز، ليس موجوداً بنفس الحماس السابق لدى عشاق البر والصحراء، فهي تمر عليك مجرد مرور فقط لإثبات انك في البر، أما وقفات السمر والقمر، التي تغنى بها الشعراء بأجمل وأعذب الأشعار، وشيلات السامري فقَلّ أن تسمعها الآن، حيث حل محلها (الديجيه) والأغاني. وحينها نتذكر قول الشاعر: لا تكاثر جيتي يا نظر عيني الله اللي جابني لك وعناني ماشي درب مشوه المحبيني بالمودة راجح لك بميزاني احسب اني مثل ما اغليك تغليني ما دريت انك عدو وقوماني وأثر لك يا متلف الروح قلبيني قلب يبغضني وقلب يتمناني تلك عبارة عن هواجس انتابتني وأنا أحاول أن أحبس تفكيري وناظري وأرتمي في أحضان الرمال، وأغمض عينيّ على حلم جميل، أصعد معه إلى ضوء القمر، وأنعم بالهدوء بعد أسبوع من التعب المرهق، ولكن لا أكاد ان أغمضهما حتى أقوم مفجوعاً من الصوت القوي، لدباب أخي عبدالإله.