لعبت الصورة الصحفية دورا بارزا في نقل الهم الإنساني ومجريات الحروب والأحداث والمشاهد المأساوية التي عايشها الإنسان في ساحات الحروب حتى أصبحت الصورة الصحفية جزءا أساسيا في التغطيات الصحفية في نقل الصور الحقيقية للأحداث من مواقعها، وتوضيح صورة ما يجري بالفعل هناك ، وترك تأثير عاطفي وتفاعلي معها لدى قراء الصحف ومشاهدي المحطات الفضائية . وجميعنا نتذكر صورة السيدة العجوز الفلسطينية التي تحتضن شجرة الزيتون التي تناقلتها وسائل الإعلام وصورة الأب الذي يحمل طفله الشهيد وصورا لأطفال فلسطين تعرضوا لأبشع صور الإرهاب الإسرائيلي وليس ابلغ من صور محمد الدرة ليكون شاهدا على تلك الممارسات . صور هي كثيرا ما أزعجت الجيش الإسرائيلي المحتل الذي فضحت اعتداءه وإجرامه أمام العالم بحق شعب أعزل . " الرياض " التقت احد ابرز المصورين الفلسطينيين الذي نقل للعالم بعدسته حكاية كفاح وصمود أمة حمل كاميرته في وجه مدافع المحتل متسلحا بالعزيمة والإرادة . نال العديد من الجوائز العالمية والعربية آخرها جائزة أفضل مصور صحفي في ملتقى الإعلاميين الشباب العرب في عمان 2010 . ضيفنا في هذا الحوار هو المصور الصحفي علاء بدارنة : الصورة الصحفية لا يمكن صناعتها أو التحضير لها أو التكهن بطريقة التقاطها * حدثنا عن بداياتك مع التصوير ؟ -حكايتي مع التصوير حكاية طويلة وإن كانت البداية تعود إلى مهنة سابقة كانت للوالد حيث كان يملك ستوديو تصوير صغير في قرية بسيطة لا يتجاوز عدد سكانها في ذلك الوقت 8000 نسمة ولم يكن الوالد يحترف التصوير وإنما كانت مهنة إضافية لعمله الرئيسي كمعلم مدرسة وكباقي الفلسطينيين فان وجود مهنة أخرى تساعد في مشوار الحياة ولا ادري لماذا اختار هذه المهنة. وكأي طفل كنت أتواجد مع الوالد في الأستوديو البسيط الذي لم يكن يعرف في ذلك الوقت ما هو التصوير وكل ما اذكره هو غرفة التحميض وكاميرا ضخمة تجرها عربة وأضاءه قوية داخل غرفة التصوير وكرسي صغير اعتقد أن كل سكان القرية لديهم صورة على هذا الكرسي بما فيهم أنا . سرعان ما أصبحت أدرك أهمية هذه المهنة لأحمل أول كاميرا وابدأ بتصوير الرحل المدرسية والأعراس والمناسبات وبعد ذلك وفي عام 1988 أتحمل مسؤولية هذا المكان لأصبح مسئولا عن كل صغيرة وكبيرة فيه لكن الأحداث الصعبة التي عاشتها فلسطين مع اندلاع الانتفاضة الأولى أدت إلى إغلاق هذا الأستوديو وفي تلك الفترة كنت قد أنهيت آخر مرحلة دراسية في المدرسة وتوجهت للأردن للدراسة وأعود في عام 1994 إلى فلسطين للعمل في شركة برمجة تلتها شركة دعاية وإعلان ثم إذاعة محلية والتي ما زلت اعمل معها إلى الآن كمدير للبرامج ومن خلال الإذاعة التي كانت شرارة العودة مجددا إلى التصوير عندما اندلعت الانتفاضة الثانية في عام 2000 فأصبحت الظروف أصعب من سابقاتها فكان لا بد من إقحام نفسي في مهنة أخرى فوجدت الكاميرا أمامي وسرعان ما تسارعت الأحداث أكثر لأعمل لصالح وكاله رويترز لبضعه أشهر في مدينة جنين لأتحول بعدها للعمل في الوكاله الأوروبية التي ما زلت اعمل معها كمصور رئيسي * كيف تقرأ واقع الصورة الصحفية بين الأمس واليوم ؟ -الصورة الصحفية بالأمس ولعدم وجود اي تطور تكنولوجي في التعامل مع الصورة لم تكن تترك الأثر الذي تتركه اليوم لان سرعة وصولها إلى العالم قبل عشرين عاما لا تقارن باليوم بوجود الانترنت أولا وبوجود ما يمكن تسميته بثقافة الصورة .. * ماالذي يميز الصورة الصحفية عن الصورة العادية ؟ -الصورة الصحفية لها خصوصية تامة فهي الأصعب من حيث ظروف التقاطها تاتي فجأة ودون سابق انذار لا يوجد اي مجال للتفكير للحظة قبل التقاط اي صورة صحفية فهي مرهونة بالظروف والأحداث بعكس اي نوع من التصوير الاخير الذي يستطيع المصور على الأقل التقاط أنفاسه وترتيب أموره الفنية بالغالب تكون الصورة الصحفية وليدة اللحظة لا يمكن صناعتها او التحضير لها ولا يمكن التكهن بطريقة التقاطها – الصور الصحفي لا يختار الوقت المناسب للتصوير لان الوقت هو الذي يختاره ولا يختار المكان لان المكان هو الذي يحتم عليه التواجد به . * لماذا الاسرائليون يكرهون ويخافون الكاميرا ؟ -اسرائيل تحتل ارضاً عربية بالقوة ويعيش الفلسطينيون تحت الاحتلال .فالمحتل يخشى الحقيقة ويحاربها لانه يدرك تماما ان الصورة هي التي تفضح ممارساته لهذا هو يجند كل طاقاته الإعلامية في كل أنحاء العالم لتحسين صورته من خلال ماكينات إعلامية فتأتي صورة واحدة تلغي كل هذا لهذا تعتبر الكاميرا عدواً لكل من يمارس الاحتلال على هذه الدنيا .لننظر إلى كل مظاهرات التأييد لفلسطين في العالم سنجد أنهم يستعينون بالصورة لتعريف العالم في قضية فلسطين الصورة هي التي نقلت حرب لبنان وبشاعة هذه الحرب إلى العالم وهي التي نقلت الحرب في العراق وأفغانستان وغيرها الى العالم من هنا تعتبر الصورة عدواً رئيسياً لكل معتدٍ . * ماهي أصعب اللحظات التي تمر بها أثناء تغطيتك للأحداث ؟ -لحظات صعبة كثيرة كون معظم ما نصوره هو مزيج من الأحزان والأوضاع الصعبة وبالنهاية نحن بشر ومن نصورهم هم اهلنا وطالما رحل اناس نعرفهم ونعيش بينهم بالتالي اللحظة المباشرة تأتي بعد كل صورة تختلط بها كل المشاعر ولا شك ان مشاهد الأطفال هي أصعب ما يمكن ان يتخيله اي مصور في العالم دائما هؤلاء يتركون في ذاكرتنا الكثير .كذلك نحن نتعرض للكثير من الإصابات وإعاقات العمل والاستفزازات ولحظات الخطر وتكون المسافة ما بين الحياة والموت قصيرة لا يمكن أن أنسى مشهد استشهاد المصور « نزيه دروزة « في نابلس * أنت تعمل مع وكالة أنباء أجنبية .. رغم ذلك تتعرض للاعتداء من قبل الجنود الاسرائليين ؟ لماذا ؟ -الاحتلال لا يعترف بهذه الأمور هو ينظر لنا إننا فلسطينيون ويتعامل معنا من هذا المنطلق فنحن نقف على الحواجز نتعرض للتفتيش نتعرض للاهانة لا تحمينا بطاقة الصحافة الاجنبية التي نعمل معها ومهمة المنظمات الدولية التي تعنى بحماية الصحفيين هي الأخرى غير قادرة على حمايتنا طالبوا في أكثر من مناسبة حماية الصحفيين أثناء الحروب والنزاعات لكن الموقف لم يتغير وبقي الحال على ما هو عليه. * اذكر لنا بعضاً من المواقف التي تعرضت فيها للخطر او موقفاً لا يمكن ان تنساه أثناء تغطيتك للأحداث في فلسطين ؟ -لا يمكن ان أنسى تعرض مبنى راديو طريق المحبة التي اعمل بها في مجال العمل الإذاعي عندما تعرضنا للقصف وبقينا محاصرين لأسبوع داخل المبنى وخرجنا الى الحياة بأعجوبة ولا يمكن أن أنسى الانفجار الذي حدث بالقرب منا مجموعة من المصورين في مخيم بلاطة ولا يمكن أن أنسى مشهد استشهاد المصور الزميل نزيه دروزة في نابلس –عندما اغتيل من قبل الصهاينة برصاصة اخترقت رأسه امام عدسات زملائه المصورين. كثيرة هي المواقف التي لا تنسى ولطالما ذهبنا إلى ثلاجة الموتى لتصوير الشهداء لنجد أناساً نعرفهم قد غادروا الحياة . * ماالذي يتطلب المصور الصحفي في ميدان الحرب ؟ -بالتأكيد ليس كل مصور بإمكانه أن يعمل في مجال التصوير الحربي كما يسموننا لعل ابرز متطلبات ذلك هي القدرة على العمل في ظروف صعبة وهذا مرهون بشخصية المصور وكذلك القدرة على اتخاذ القرار السريع والصحيح والقدرة على التأقلم مع كل الظروف تحمل العمل في فترات صعبة – الجرأة أيضا مطلوبة – وبعد ذلك لا يقل أهمية المعرفة الجيدة بطبيعة الصورة الصحفية الحربية ؟ما هي الصورة الصحفية ؟كيف تلتقطها ؟ومتى؟ أنت تتعامل مع ظروف غير طبيعية بالتالي الصورة ستكون غير طبيعية . * رغم ما تتعرض له من مخاطر يا ترى ماهو الدافع الذي يجعلك تستمر في أداء رسالتك ؟ -الحقيقة أنني لا اترك اي مساحه تجعلني افكر في خطورة هذا العمل من إدراكي بان هذه المهنة هي خطرة والمكان الذي اعمل به يصنف من اخطر اماكن العالم للعمل الصحفي لكن هناك رسالة في هذه المهنة لو اردت التخلي عنها لكان ذلك مع اول إصابة او زميل فقدناه. انا اعمل من اجل رسالة واحدة اسمها الحقيقة ارى ان الصورة هي وسيلة لنقل الحقيقة وهي وسيلة لخلق ارشيف من الحقائق يكون شاهد على التاريخ لان الصورة ثقافة ولم تعد مجرد كماليات في الحياة الصورة تصنع امة وتحكي حكاية شعب بأكمله . * لو خيرت أن تصور في مكان آخر غير فلسطين فما هو و لماذا ؟ -بكل بساطة هو (الحج) هذا حلم بالنسبة لي. * صورة التقطتها ومازالت عالقة في ذهنك ؟ -كي لا أكون منحازاً إلى صورة عن أخرى لكن لا شك أن الصورة التي تركت أثرا في المشاهد العربي للسيدة الفلسطينية التي احتضنت شجرة زيتونها بعد ان قطعها المستوطنين الإسرائيليين والتي التقطتها مع زملاء آخرين كانت وما زالت بالنسبة لي من أهم الصور التي خرجت من فلسطين او من أهم عشر صور خرجت من فلسطين لأنني دائما وفي كل مناسبة أقول هذه الصورة لا تحتاج إلى وصف أينما تراها تقول هذه فلسطين . *العدسة التي التقطت بها صورا تحمل المعاناة والألم .. هل هي قادرة أيضا أن تلتقط الصورة الجميلة؟ -بالتأكيد فانا شاركت في كتاب اسمه عين على فلسطين وكتاب آخر عن فلسطين وشاركت في موسوعة عربية أخرى بصور تعطي الجانب الآخر من فلسطين صورت في سيرلانكا وألمانيا والنمسا كلها صور لا علاقة لها بالحروب والنزاعات واجد الوقت الكافي للتعامل مع هذه الصور . هناك إبداعات رائعة قادمة من السعودية أنا اعشق صور الصحراء التي أشاهدها من أعمال مصورين سعوديين ومن الخليج العربي ينقلون مشاهد خلابة لا تراها بالعين المجردة هذا نوع جديد من الفنون يستحق التوقف عنده مطولا . الصورة التي نالت شهرة كبيرة من عدسة علاء من أعمال علاء المصور الفلسطيني دائماً في خطر حكاية أمة وصمود شعب الصورة أبلغ من الكلام المحتل يخاف دائماً من الكاميرا العدو المحتل يمارس إرهاب الأطفال.