مررتَ بتلك اللحظات.. عبرت إلى داخلها.. حضرتْ هي دون أن تطلب أنت منها الحضور.. ثمة جرأة غير اعتيادية في طريقة الحضور، وفي احتفالية الوصول.. لم تكن ترفض أن تقرأ على الإطلاق صفحات تلك اللحظة.. ولم تكن مبتعداً عن الحقيقة عندما تجاهلت سطورها.. ليس لأنك لا تجيد فك رموز الحروف... ولكن لأن القراءة لن تبدّل في الأمر شيئاً، ولن تغير ملامح ما يجري على الأرض! قرارك امتلكته وهو أن تعيش هذه اللحظة.. وصلت إليك.. وصلت إليها، ليس هذا ما يعني. لأن الأهم التلاقي! تعيشها وترسم معالمها وكأنها معالم التاريخ، وخطوط الجغرافيا. وصلت لحظتك.. وكأنها مُعالجة لزمن مضى بمرارته وآلامه ويأسه المفتوح! أتت وكنت تتوقع أن تأتي لكن دون انتظار، ودون توقف للتلفت بحثاً عنها! توقعت أن تصل وهي اللحظة الفاصلة، والثابتة، والمتواردة دائماً بذهول! لا يعنيها إن اهتممت بها.. أو ظلت في نهاية قائمة الاهتمامات! ولا يعنيها أيضاً ان تُحسن النية بمناسبة حضورها، أو تغيبّها! هي اللحظة الآتية دوماً! وهي المتنقلة من مكان إلى آخر. وهي زمان العبث الذي لا تعرف إلى أين من الممكن أن ينطلق! إنها لحظة الفراغ لحظة تتجسد فيها لتصبح هي البطل لحظة تهيمن فيها على كل صفحات الأجوبة لتشعل معها بدايات الأسئلة! تصل إليك أحياناً وتفسح لها المجال لحاجتك الماسة لكل ما هو خارج نطاق التفكير، والانصياع إلى الافتتان بالركض اليومي! لم تفقد الحماس كلما وصلت إليك في احتوائها، أو التعايش معها، أو الالتزام بمحاكاتها! تلعب دوراً جيداً في داخلك عندما تتزايد الضغوط اليومية ويصبح الوصول إلى طريق لحظة اكتئابية مضموناً! ليست التجربة الأولى لأن كلاً منا ليس معفياً من التجربة ولن تكون ابداً، وليست نكساتك متوقفة على هذه النكسة العابرة، وليس تعثرك هذه المرة، وتوقفك عن عدم مواصلة الطريق سيكون هو الأخير! التعثر، والتوقف، والضغط لن يهدأ أي منها، ولا تجف ملامح حضوره، ولن يثقل التمرد عليه ظهره، سيحضر رفضتَ، أم رضيت لكن عليك أن تكسر حاجز هذه الأشياء الباقية والفاعلة في التمزيق. عليك أن تتخلص منها، وأن تعطي قراراً بملاحقة فلولها أحياناً، وفتح أبوابك للحظة التي تمنحك الهدوء حتى وإن رأى أحدهم أنه وقتي أو مفتعل! لحظة الفراغ المرموق. لحظة الفراغ الفارهة عندما تعيشها وأنت لا تتحمل أي مسؤولية على الإطلاق... تعيشها وأنت تمتلك هذا الجزء الجميل من عالم لا يكتظ بهمومه، ولا يحتار كيف يوزع بعضها على الآخر، ولا يعتقد أن عمقه التفكيري المهموس سوف يدفعه إلى اصلاح كوارث الكوكب! تعيش لحظة تنفتح على الفراغ الداخلي وكأنك تولد من جديد وتقترب من حافة إحساس يسوده أمان تُغلق أبوابه أمام من لا يريدون لك أن تعيش أو تستمتع بالحياة على طريقتك رغم أنها حق مشروع.