تنشغل دون علمك بإحساس تغلُّبك على ما مضى، ومقدرتك على تفكيك مفرداته، وتحويلها إلى لغة بدت مفهومة وعابرة على الأقل لك في لحظة ما. تشعر أن هناك تمازجاً عفوياً بين حاضرك وما سيكون أو مستقبلك ضمن غايات متعددة تحاصرك وتفكر بها. إحساسك المفرط بالنجاح، والتجاوز يجعلك تلمس تلك المعايير الموضوعية والواضحة لدراسة القادم دون أن تقفز بعيداً عن أرض الواقع! تنطلق إلى الأمام وكأنك تعرف جيداً كل تفاصيل الطريق، وكأن الزمن أيضاً زمن مطلق لك ولا يختص بغيرك! لم تحمل معك أبداً زمناً مجزأً. ولم تحمل معك صفحات لكتاب سبق وأن قرأته! لم تتوقف لتتأكد أن الحكاية في النهاية مرتبطة بتكوينات عديدة أهمها الماضي الذي وإن غاب إلا أنه سيظل ممتداً للحاضر والمستقبل. لم تفكر للحظة في أن حاضرك قد يتحول إلى صفحات ماضية تكتشف أنك لم تقرأها على الإطلاق! وجدتَ نفسك غارقاً في أزمة لم تستعد لها - بل كنت تعتقد أنها وإن حصلت ستكون افتراضية. تمارس الهدوء ومحاولة التفكير ولكن بحذر شديد.. لماذا؟ وكيف تجزأ الزمن وأغلق منافذ الحاضر، بعد أن فُتحت على مصراعيها؟ لماذا عاد الماضي متجسداً في كل ملامحه السابقة؟ لكن السؤال الذي ظل مُلحاً ولفترة طويلة ذلك السؤال الذي يخص صفحات الماضي، أو الكتاب كاملاً الذي عبرنا كل الحواجز، وكل أشكال القفز على صفحاته لنصل إلى نتيجة اكتمال قراءاته. حاضرٌ ذابل يفتقد الاخضرار الوهمي الذي تخيلناه، وأيامٌ طويلة لا تحمل روحها أو ألقها ولكن لماذا؟ لماذا؟ ونحن قد اعتقدنا أننا تجاوزنا ذلك المسار المظلم.. وذلك الألم المتكرر، الذي كان الثمن للحظة الأمان التي نعيشها الآن، أو تخيلنا أننا نحتويها. توهمت أنك انجزت الكثير.. وأنت تعبر ذلك الطريق لكن لم تفكر في طريقة العبور وكيف تمت؟ شعرت بلذة المكسب وأنت تصل ولم تتوقف أمام ترجمة قيمة هذا المكسب المتحصل عليه. تخيّلت أن الأشياء أكثر سهولة مما ينبغي، وان مجرد التفكير في الماضي يعني تحميله أكثر مما يستحق! ولكن مع كل هذه التخيلات فشلت بالتعمق في قراءة الكتاب كاملاً، والتمعن في صفحاته. فعلت كغيرك قلّبت الصفحات سريعاً دون استيعاب لتصل إلى الصفحة الأخيرة. وجعلت المحتوى متوقفاً على مجرد القفز عليه لإغلاق المفهوم وتحميله ميزة أن يكون مغلّفاً صامتاً باقياً على دواخله وأسراره! طويت الصفحات ولكن ظلت صفحات الزمن الماضي مفتوحة لحظة بلحظة، تمتد أمامك وليس خلفك كالضباب الذي لا يمكن إغفاله. ستحاول العودة إلى الكتاب مرة أخرى لأنك ترغب جاداً في الاجتياز ولكن عليك بالقراءة الجيدة وليس التوقف للاستماع إلى مقطع يُروى ثم تعتقد أنه كل الكتاب!