سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حي «باب الوادي».. بارومتر الجزائر السياسي والاجتماعي تتعايش فيه الثنائيات المستحيلة الفقر والكرم والتعصب والانفتاح.. ويصدّر غضبه إلى باقي الضواحي كلما خابت أحلام شبابه
منها اندلعت "انتفاضة الزيت والسكر" المتواصلة وقبلها أحداث أكتوبر 1988 الدامية التي غيّرت خارطة الجزائر السياسية والإعلامية، من أحشائها خرج أكبر حزب إسلامي العام 1991 الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي هّز الشارع الجزائري وأدماه، بها قتلت أوحال فياضات العاشر أكتوبر 2001 أكثر ضحاياها.. هناك تتعرى الجزائر وتغسل مساحيقها، هناك تتعايش بأعجوبة الثنائيات المستحيلة الفقر والكرم، الأمية والتفوق، التعصب والانفتاح، وهناك أيضا نبض الحياة الشعبية الموغلة في القدم. إنها "باب الواد" مثلما تنطق بالعامية الجزائرية و"باب الوادي" مثلما تكتب في الكتب المدرسية و على أوراق الجهات الرسمية وعلى لافتات الطرق السريعة المؤدية إليها. حيّ شعبي عريق هو من أكبر وأهم وأخطر الأحياء الشعبية الجزائرية، حّي لا تشبهه في شيء بقية أحياء الجزائر الشعبية مثل بلكور وسالومبي (سالم باي) وباب جديد ووادي قريش وباش جراح، الحياة فيه لا تشبه الحياة في مكان آخر، الحي صاخب إلى ساعات الصباح الأولى، لو أضربت باب الوادي عن الكلام لخرست الجزائر كلها!! قلب نابض بالحيوية والنشاط لا يهدأ أيام السنة كلها لو توقف نبضه شلّت الجزائر كلها، حيّ لا يهرم أبدا ولاتسكن الشيخوخة جسده، الشباب فيه شعلة متقدة تضيء مثلما تحرق، ولهذا السبب عندما يغضب شباب باب الوادي تغضب الجزائر كلها أيضا. شباب الحي شعلة متقدة تضيء مثلما تحرق.. يتقاسمون العوز والهموم مثلما يتقاسمون الأحلام والآمال من يعرف باب الوادي، من خالط أهلها، وعاش وسط شبابها، من دخل بيوتها، وعرّج على سطوح منازلها يدرك معنى أن يكون الحيّ الشعبي فحلا تماما مثل فحولة الرجال، هناك يتقاسم الشباب عوزهم وهمومهم مثلما يتقاسمون الأحلام والآمال، يتقاسمون الخبز وكيس الحليب، كما يتقاسمون الدينار الواحد، يقال أن من يدخل باب الوادي لا يجوع ولا يتعرى ولا يبرد، إذا استغاث الداخل إليها تلقفته الأيادي الرحيمة رغم عوزها وحاجتها. ولهذا السبب أيضا عندما يضيق حال شبابها يرمون بأنفسهم في البحر ولا يمدّون أيديهم إلى جيوب الآخرين، يركبون زوارق الموت وهم يرددون "العيش مع الرومي خير من القومي" (تنطق القاف مثل الجيم بالمصرية) ومعنى القومي الخائن، والقومي في الذاكرة الجمعية الجزائرية هو ذلك الجزائري الذي تخندق إلى جانب الاستعمار الفرنسي وخان أبناء بلده، والقومي في جزائر ما بعد الاستقلال، هي السلطة التي تخون العهد وتتنكر لأبنائها ولا تلتزم بالوعود التي تقطعها على نفسها خلال حملات الانتخاب المتعاقبة ولهذا السبب أيضا عندما لا تصوّت باب الواد، عندما تكون الأوراق البيضاء خيارها الأوحد فإن العاصمة كلها تدير ظهرها لصناديق الاقتراع وتحترف هي الأخرى عشق الأوراق البيضاء!! في باب الوادي تصطدم الأرقام الرسمية التي تراهن على خلق 3 ملايين منصب شغل وتوفير 1.5 مليون وحدة سكنية قبل العام 2014 تاريخ انتهاء العهدة الثالثة للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة تصطدم بمعدلات البطالة القياسية هناك، تصطدم بحاجات الناس الملحة للسكن، تصطدم بتأجيل الشباب هناك، وكثيرون يتجاوز سنهم الخامسة والثلاثون، أحلام العيش الجميل إلى إشعار آخر، ولهذا السبب ترتفع في باب الوادي معدلات العزوبية، لم يعد الشباب هناك يرغب في تحويل سطوح المنازل على هشاشتها أو أقبية العمارات التي تغزوها الجرذان والبعوض إلى أسقف تأوي زوجاتهم الجديدات و صغارهم القادمون، لم تعد سطوح منازل باب الوادي هي الأخرى قادرة على استيعاب الوافدين الجدد الذين لم تشملهم قوائم المستفيدين من السكن الاجتماعي الذي بات توزيعه في الآونة الأخيرة يفرز هو الآخر حالة من الغضب يصل الشارع ويلهبه مثلما حدث قبل شهر فقط في ضواحي براقي وسالم باي وباش جراح. العمائر تتصدر واجهات الحي.. وفي الداخل تنتشر المنازل الشعبية وعندما ينزل الوزراء ورؤساء الأحزاب والسياسيون على قلتهم إلى باب الوادي فهم يؤرخون لأنفسهم أنهم مرّوا ذات يوم بحيّ باب الوادي الشعبي، فمنهم من يستقبل بالورود ومنهم من يرشق بالحجارة، علاقة الشباب هناك بالساسة والسياسة مثل علاقة الزيت بالنار، ولهذا السبب تُجّس السياسات بنبضِ هذا الحيّ ولهذا السبب أيضا تتقدم باب الوادي كلّ مرة موجات الاحتجاج في الجزائر وتصدّرها لبقية أنحائها مثلما حدث مع ما يمكن تسميتها ب "انتفاضة السكر والزيت" التي انطلقت منه ووصل لهيبها بقية ضواحي الجزائر بالأخص تلك التي ظلت وما تزال لكن بشكل أقل مرتعا خصبا لشبكات التوظيف لصالح التنظيمات الإرهابية المسلحة. وتلعب الحالة النفسية والاجتماعية التي تطبع غالبية شباب حّي باب الوادي الشعبي دورها في جعل هذا الأخير تربة خصبة لكل أنواع المناورات والتلاعبات التي تؤجج مشاعر شبابه وتدفع به إلى الواجهة على خلفية حالة الإحباط المعشعشة فيه المعبّر عنها فيما يمكن اعتبارها أعمالا تخريبية انتقامية تطال كل ما يرمز للسلطة وكل ما يرمز للثراء الفاحش. ومع ذلك يظل حيّ باب الوادي الشعبي الشهير والعتيق معا، وقلبه النابض "ساحة الساعات الثلاثة" و"سوق تريولي" والذي ظل طيلة الحقبة الاستعمارية الفرنسية الحي الشعبي الأوروبي الوحيد آنذاك لاحتضانه المهاجرين الفرنسيين الوافدين على الجزائر طمعا في البقاء الأزلي، يظل الذاكرة الحيّة لأجيال الجزائر السابقة والقادمة التي ألهمت الروائيين والسينمائيين ويحن إليها وإلى زنيقاتها إلى يومنا هذا العديد من الفرنسيين الذي ولدوا وترعرعوا فيها. شرارة الاحتجاجات تنطلق من الحي