حين تتطاير فرحاً وتملأ البهجة أنحاء كيانك كله.. حين تبتسم.. ثم تتسع ابتسامتك لتصبح ضحكة و"قهقهة بصوت عالٍ".. وحين تدمع عيناك و تستلقي على قفاك وتهمس وأنت تمسح دموع الفرح "اللهم اجعله خيراً".. حينها تكون في خضم شعور إنساني رائع خلقه الله فينا فطرياً، كما الحزن واللهفة، كما الشوق والحلم، كما التوق والأماني.. شعور رائع يكاد لفرط ما حاصرناه في دواخلنا أن يصبح من الممنوعات.. قبل أيام رحت أفتش عن معاني الفرح في الإبداعات البشرية فهالني ما وجدت.. كأننا توارثنا الحزن كابراً عن كابر.. كل الأغاني العربية حزينة، وكل القصائد جريحة، وكل كوميديا في طرفة أو فيلم أو كاريكاتير مبنية على نقد جارح؛ لوضع سيىء بلغ من سوئه أن تحول إلى طرفة تبكيك ولا تفرحك.. إذن كيف نفرح إذا كان الحزن يحاصرنا بكل هذا الزخم؟.. وهل ما يفعله الشباب في الأعياد والمناسبات العامة في الشوارع من تحطيم ومضايقات ومعاكسات ومناوشات هو آية فرح وحبور، أم أنها لا تعدو صورة من صور الحزن الجماعي يخرج في صورة متطرفة في عبثيتها ومظهر من مظاهر التمرد على موروث الحزن الطويل الذي يناقض الفطرة ويثبط الهمم ويزيد من معدلات الاكتئاب والأمراض النفسية والعضوية..؟. في هذا "التحقيق الموحد" نحاول أن نقترب ولو قليلاً من جوهر الفرح ونحاول أن نعرف إذا كان الشعور بالفرح فطرة، فهل صور التعبير عنه اكتساب.. ابتكار.. أم أنه رسالة ما نخبر بها من يهمه الأمر أن مساحات الفرح في حياتنا صغيرة جداً ونريدها أن تصبح أكبر وأشمل..؟ ونحن في هذا التحقيق لا ندعو للفرح اللا مسؤول، ولا نقول بهدم كل صور الوقار والهيبة؛ فلسنا مع التطرف في فرح أو حزن، ولكننا مع الاعتدال، ومع الجمال والرقة والتعبير المنطقي عن الفرح، وتوسيع مساحاته وجغرافيته، وإيجاد صيغ جديدة تتسق مع العصر ولا تتعارض مع الأصل.. في هذا التحقيق نرصد مظاهر الفرح، ونقدم صورها المبالغ فيها في بعض المناسبات كاحتفالات اليوم الوطني، أو الاحتفاء بنتيجة مباراة كرة قدم، كما نحلل الشخصية العامة للمواطنين فيما يتعلق بصناعة وتذوق الفرح من خلال الطرفة، ونتعرف أيضاً على رأي الشرع في الفرح ومظاهر التعبير عنه..