تصريح الرئيس المكلف لجمعية حماية المستهلك، بأن "المملكة تعاني، مقارنة بالدول الأخرى، ما يمكن وصفه إرهاباً اقتصادياً وغذائياً ودوائياً"، يعتبر في غاية الخطورة. فإذا وصل مستوى الغش التجاري والتضرب بالأسعار في المملكة إلى درجات قل أن نراها في البلدان الأخرى فإن ذلك يفترض أن يستدعي ردة فعل من الجهات المسؤولة وجمعية حماية المستهلك واحدة من تلك الجهات. فنحن هنا على الأقل أمام أمرين يستحقان الدراسة والتأمل. الأمر الأول هو لماذا نتعرض نحن من دون بقية البلدان لهذا الإرهاب الاقتصادي والغذائي والدوائي؟ الأمر الثاني من هي الجهات الاقتصادية والتجارية التي تجعلنا سهلي الاستهداف دون غيرنا؟ حقاً إن الوضع في أسواقنا قد وصل إلى درجة يصعب معها السكوت عنه. فخلال جولة هيئة الغش التجاري في وزارة التجارة والصناعة على أسواق الرياض خلال هذا الأسبوع تم ضبط العديد من السلع المخالفة للأنظمة والمواصفات القياسية من ضمنها آلاف عبوات الشامبو والكريمات والعطورات والزيوت المخالفة لنظام البيانات التجارية. كما اكتشفوا 6 آلاف مادة غذائية منوعة فاسدة بسبب سوء التخزين والعرض وقرب انتهاء الصلاحية. هذا بالإضافة إلى العثور على 1292 قطعة غيار مقلدة للسيارات و2995 إطاراً مستعملاً ومنتهي الصلاحية. وهذا غيض من فيض ما تمتلئ به أسواق العاصمة وبقية أسواقنا من منتجات مغشوشة ومضرة بالصحة مثل الملابس المصنوعة من الخامات المسببة للأمراض مثل السرطان وغيره، كما أن السوق الزراعية هي الأخرى مليئة بالمنتجات غير الجيدة من ناحية والمضرة بالصحة نتيجة رشها بالمبيدات والمواد الكيماوية من ناحية أخرى. وإذا كان مصطلح الإرهاب ربما يأخذنا إلى متاهات قد تفسد علينا نقاشنا فإن التلاعب بالأسعار وتقليد الماركات الأصلية وتسويق المنتجات الصناعية والزراعية الرديئة أمر ليس جديدا. فالجديد هو تأكيد الدكتور ناصر آل تويم بأن البلدان الأخرى لا تعاني نفس المستوى من الغش التجاري الذي نعاني منه. وهذا يعني إما أننا مستهدفون دون غيرنا للنصابين والمحتالين أو أن غيرنا يراقب أسواقه أفضل منا وبالتالي يفسد على الغشاشين أمر إغراق الأسواق بالبضائع الرديئة والمضرة بالصحة. وأنا أميل إلى الاحتمال الثاني فالشركات المصدرة لنا تؤكد أن الموردين السعوديين هم الذين يختارون البضائع الرديئة بخسة الثمن لتصديرها إلى المملكة. ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هنا هو: لماذا يقع اختيار موردينا على أخس البضائع وأرخصها لبيعها في سوقنا ولا يختار تاجر في بريطانيا مثلاً نفس البضاعة لتوريدها إلى بلده؟ إنه من الصعب أن نلقي باللائمة على التاجر وحده ونخلي أنفسنا من المسؤولية. فليس هناك تاجر في هذا العالم تتاح له فرصة الربح 200% ويرفض ذلك -وإلا لما كان تاجراً أصلاً-. فالمثل يقول: من أمن العقوبة أساء الأدب. فأين هم المراقبون الحكوميون المعنيون بكشف كل هذا التلاعب الذي يحدث في أسواقنا وأين هي جمعية أو جمعيات حماية المستهلك؟ قد يقول قائل إن الجهات المسؤولة تقوم بشن حملات التفتيش بين الحين والآخر. هذا لا يكفي. فالجولات الموسمية لا يمكنها أن تكتشف غير قمة جبل الجليد الطافية من الغش والتلاعب بالأسعار. هذه الأسعار التي تمكن مسوقينا من الحصول على هامش ربح يصل إلى 200% مع أن هذه النسبة في البلدان الأخرى لا تتعدى 15% فقط. إذاً فنحن نحتاج إلى منظومة متكاملة تبدأ من الجمارك وتنتهي بالمراقبين والمفتشين، منظومة تعمل على دوام الساعة، لمكافحة الغش التجاري والتلاعب بالأسعار وليس إلى حملات موسمية. وجمعية حماية المستهلك يمكن أن تلعب ضمن هذه المنظومة دوراً بارزاً إذا طورت أداءها وفتحت فروعا لها في كافة الأسواق الرئيسية في المملكة. خصوصاً وأن ميزانيتها تسمح لها بذلك. فالمواطنون والمقيمون يفترض، كحد أدنى، أن يشعروا أن هناك منظومة تحميهم وتدافع عنهم في حال تعرضهم لجور السوق والمتلاعبين بها.