يقدر حجم البضائع المغشوشة في منطقة الخليج سنويا بسبعة مليارات دولار يتركز أكثر من نصفها في السعودية، ويرجع ذلك إلى فرض التكتلات الاقتصادية في ظل العولمة وما رافقها من انفتاح اقتصادي وتحرير للتبادل التجاري ومنافسة حادة بين المنتجات الوطنية والأجنبية، ونجم عن هذه التطورات الاقتصادية المتلاحقة ظواهر سلبية يشكل الغش التجاري أكثرها تأثيرا على اقتصاديات البلدان النامية. وقال خبراء ل "الرياض" إن هناك ستة عوامل ساهمت في تفشي ظاهرة الغش التجاري والسلع المقلدة في السعودية وهي: ضعف العقوبات التي تفرض على المتورطين في هذه الظاهرة، إغراء المكاسب الكبيرة التي يحققها أصحاب السلع المغشوشة والمقلدة، غياب الحملات الرقابية المكثفة والمنتظمة على الأسواق، ندرة أعداد الكوادر المتخصصة في الكشف عن السلع المغشوشة، طول الإجراءات المتبعة في قضايا الغش التجاري، وعدم كفاية المختبرات المزودة بالأجهزة الكفيلة بالكشف عن هذه السلع الرديئة. وقالوا إن الغش التجاري جريمة تتحقق في شرطين: الركن المعنوي وهو القصد الجنائي، والركن المادي ويتحقق بأحد الحالات التالية: المادة غير مطابقة للمواصفات "مثل العسل- الذهب- الحديد- المنسوجات"، وإذا خلطت أو مزجت بمادة تغير من طبيعتها وجودتها مثل إضافة الماء للحليب، وكذلك إذا كانت البيانات التي على العبوة تخالف واقع السلعة وتركيبها وغير ذلك. ويقع الغش التجاري إما بإضافة مادة غريبة للسلعة أو بانعدام شيء من عناصرها النافعة أو بإخفاء البضاعة تحت مظهر خادع من شأنه غش المشتري أو خلط أو إضافة مادة مغايره لطبيعة البضاعة أو من نفس طبيعتها، ولكن من صنف أقل جودة بهدف الإيهام أو إخفاء رداءة البضاعة أو مظهرها في صورة أجمل مما هي عليه. بدايةً، قال خلف رباح الشمري عضو لجنة مكافحة الغش التجاري في الغرفة التجارية والصناعية في الرياض، إن وجود الغش التجاري في السعودية بسبب بعض الجهات الحكومية التي تعمل على منع الحماية من الغش التجاري، وتأخرها من القيام بواجباتها بالشكل المطلوب وبالوقت المناسب سواءً من ناحية إصدار التشريعات أو إنشاء المختبرات أو غير ذلك مما جعل المملكة العربية السعودية منطقة جذب للسلع المغشوشة والرديئة، لافتا إلى أن عدم وجود قوانين كافية، وكذلك عدم مواكبة القوانين الموجودة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة. وذكر عضو لجنة مكافحة الغش التجاري في الغرفة التجارية والصناعية، أن التقصير واضح جداً في تطبيق عقوبات غير رادعة وان هناك قصوراً في الرقابة من قبل الجهات المختصة، مبينا أن عدم وجود مختبرات كافية أو كوادر فنية مؤهلة لاختبار سلامة وجودة السلع والخدمات لتقديم بينه للمجتمع أو للمحاكم، مطالبا في الوقت ذاته بحماية المستهلك وتوعيته، لأن المستهلك هو مصدر الحماية من الغش التجاري. وأكد أن المناهج الدراسية مقصرة في تدريس الوعي الاستهلاكي، موضحا أن نظام التعليم العام مقصر في قيم هامة لجعل المواطن صالحاً لوطنه ولأسرته، مضيفاً "أن الفترة السنية التي يقضيها الإنسان السعودي في التعليم العام 12عاماً وهي مدة كافية جداً، مشيرا إلى أن الأسرة تمارس العديد من السلوكيات الاستهلاكية الخاطئة أمام أبنائها والتي ينشأ عليها الأبناء. وحمّل عضو لجنة مكافحة الغش التجاري في الغرفة التجارية والصناعية، الإعلام بجميع قنواته في توعية المواطنين بالغش التجاري وبحقوق المستهلك، لكي يكون المواطن واعيا استهلاكيا بالغش التجاري ومخاطرة. وحدد الشمري الطرق التي تعالج مستوى الوعي لدى المواطنين وهي: أن يصبح المواطن أكثر اهتماماً بضرورة تاريخ صلاحية السلعة، ويكون أكثر حرصاً على معرفة محتويات السلعة، وأن يحرص المواطنون على إبلاغ شكواهم للأجهزة الرقابية، إضافة إلى أن يتمسك كل مواطن بحقه في رد البضاعة أو استبدالها. وناشد وزارة المالية بأن تؤدي دورها وتعتبر أن أي إنفاق على حماية المستهلك إنما هو استثمار يصب في الصالح العام ويوفر مليارات على ميزانية الدولة جراء علاج الأمراض التي تنتج من بعض الأغذية والملوثات والنكهات والتسمم الغذائي وحوادث السيارات نتيجة قطع الغيار المغشوشة مثل الفرامل والكفرات والحرائق نتيجة التوصيلات والأجهزة الكهربائية الرديئة. تحمّل الجهات المعنية مسئولية الغش التجاري وطالب عضو لجنة مكافحة الغش التجاري في الغرفة التجارية والصناعية في الرياض، وزارة التجارة والصناعة بمراقبة الأسواق وفرض الغرامات المالية على المتورطين، والجهات المعنية مثل: وزارة المالية لرصد الميزانيات لتوظيف المفتشين والفنيين بأعداد كافية وإنشاء المختبرات، وكذلك وزارة العدل لإنشاء المحاكم المستعجلة، كما طالب الشمري مجلس الشورى بوضع التشريعات الرادعة والغرامة المالية المناسبة، بالإضافة إلى وزارة الثقافة والإعلام بالتركيز على توعية المواطن حيال الغش التجاري وأضراره على المواطن وعلى الاقتصاد الوطني وعلى سلامة المواطنين. وتوقع الشمري أن تنشأ جمعية حماية المستهلك بشكل أفضل من خلال بيوت خبرة عالمية متخصصة، ولكن أنها قامت من خلال مجهودات لعدد من المهتمين بتأسيسها وبشكل لا يتفق مع طموحات المستهلكين، لافتا إلى أن هناك جدل كبير حيال الجمعية مما قد يعيقها من الحصول على القبول لدى كافة الأطراف بما فيها المستهلكون وبالتالي إما الفشل أو عدم الفعالية لأداء رسالتها المأمولة. وبيّن أن من أخطاء جمعية حماية المستهلك استثناء رجال الأعمال من عضويتها، بالإضافة أنها أغفلت التعريف الصحيح للمستهلك. وأضاف "الجمعية بحاجة إلى مزيج من رجال الأعمال والمواطنين وموظفي الحكومة ولكن تكون لديهم الرغبة الصادقة في حماية المستهلك فجميعهم مستهلكون، كما أن رجال الأعمال يتعرضون للغش في أغذيتهم وسلعهم الأخرى ويجب حماية المؤسسات والشركات والمصانع من الغشاشين". وضرب مثالاً حول الغش التجاري في أغذية الأطفال في السعودية قائلاً: إن حاسة الذوق تتكون لدى الأطفال الصغار 5- 6شهور، وقامت إحدى الشركات بإضافة السكر والملح للأكل لأن الأمهات يتذوقن، علماً أن استخدام الألوان الصناعية ومكسبات اللون غير مصرح بها، خاصةً أن النكهات (تؤثر على أنشطة الأنزيمات وغدد النمو عند الأطفال). بدوره، قال الدكتور خالد يوسف الخلف مدير عام الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس سابقاً، أن من أسباب وجود الغش التجاري في السعودية، عدم تطبيق أنظمة مكافحة الغش التجاري من قبل الجهات الحكومية الرقابية المختصة، وكذلك عدم التزام المستوردين والمصنعين بالمواصفات القياسية السعودية الملزمة إما بسبب الجشع المادي أو الجهل بأهمية المواصفات القياسية. وصف الخلف العقوبات المتخذة على مرتكبي الغش التجاري بأنها ضعيفة وفي أحيان كثيرة لا تتناسب مع فداحة جريمة الغش وما تسببه من أضرار جسدية أو مادية على المستهلك، مشيرا إلى أن تدني مستوى الوعي الاستهلاكي لدى المستهلكين في المملكة العربية السعودية، مضيفاً أن ضياع المشتكي بين الجهات الحكومية المختلفة عندما يشتكي عن وجود سلعة مغشوشة حيث تتصل كل جهة حكومية عن مسئوليتها وتخليه إلى جهة أخرى والأخرى إلى أخرى حتى يصاب بالإحباط ويتخلى من شكواه. وحول ضعف الإمكانيات وقدرة المفتشين المدربين في الجهات الرقابية ونقص الكفاءات في مختبرات الجودة الفرعية بوزارة التجارة والصناعة؟، أكد الخلف "يجب على الحكومة إذا أرادت أن تقلص هذه الظاهرة أن تدعم الجهات الرقابية الحكومية المختلفة بالكفاءات البشرية المؤهلة والمدربة والكافية لكي يقوموا بدورهم التفتيشي والرقابي والقدرة على سحب العينات المختلفة للإرساليات أو في المصانع أو في الأسواق وإرسالها للمختبرات الخاصة التي صدر قرار مجلس الوزراء بالسماح لها بفحص السلع منذ أكثر من خمس سنوات لم تشجع للأسف بل وأصبحت تجابه عقبات لاحصر لها مما يهددها بالإفلاس". واتفق الخلف إلى ما ذهب إليه الشمري، عن تقصير المناهج الدراسية في تدريس الوعي الاستهلاكي، مبيناً أن الإعلام كذلك مقصر في نشر التوعية بثقافة المستهلك والدليل على ذلك ازدهار تجارة "أبو ريالين" ويشترك في مسئولية نشر الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك جمعية حماية المستهلك التي أنشأت مؤخراً. ويرى الدكتور خالد الخلف "أن حماية المستهلك ومكافحة الغش التجاري يتحملها أطراف كثيرة وأهم هذه الأطراف هي الجهات الحكومية الرقابية والتي يجب أن تضاعف من أعداد مراقبيها ومفتشيها المؤهلين والمدربين للقيام بدورها على الوجه المطلوب ثم يأتي بعد ذلك الحكومة، رجال الأعمال من مستوردين أو مصنعين حيث يجب عليهم مخافة الله فيما يستوردون أو يصنعون أو يوزعون وأن يضعوا أمام أعينهم قوله صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا". يجب توضيح ملابسات الغش والتدليس والخداع وناشد الخلف جمعية حماية المستهلك - التي تم إعلان إنشاءها حديثاً-، أن من أهم أهدافها العناية بشئون المستهلك والمحافظة على حقوقه وتبني قضاياه ونشر الوعي الاستهلاكي بين أعضاءها وتوضيح ملابسات الغش والتدليس والخداع ووضع المقارنات في نشراتها للسلع المختلفة المتواجدة في أسواقنا من حيث جودتها ومناسبة سعرها وحسن أدائها في ظروف المملكة المناخية المختلفة، مطالباً جمعية حماية المستهلك بفتح باب الانضمام لعضويتها لكل فرد له الرغبة بذلك وملتزماً بمبادئها وأهدافها والتزام بدفع اشتراكها السنوي. وذكر الخلف كلما زاد أعضاء جمعية حماية المستهلك زادت فعاليتها حيث إن هؤلاء الأعضاء سواء كانوا تجاراً أو صناعيين أو موظفين أو مهنيين أو طلبة، سواء كانوا رجالاً أو نساءً هم الذين يتواصلون باستمرار مع هذه الجمعية ويمدونها بالمعلومات المفيدة التي تعكس كثيراً من معاناتهم مع الغش والتدليس والمبالغة في الأسعار، معتبرا أن تواصل الجمعية معهم يتم أيضاً من خلال مجلاتها ونشراتها المستقبلية إن شاء الله التي ستساعد أعضاؤها وأسرهم وأقاربهم على نمو ثقافتهم الاستهلاكية وبالتالي نمو قدرتهم على مكافحة الغش والخداع.