يطرح الدكتور محمد بن حمد الكثيري على القارئ في كتابه (التحول للعالم الأول) سؤال الشروط الأكثر إلحاحاً :هل نحن جاهزون عملياً لتلبية استحقاقات هذا التحول نحو العالم الأول ضمن مشروع وطني يتوسل مفردات شديدة الخصوصية لا تترافق مع الأماني المجردة بل تراهن على الكثير من الجد والالتزام والجهد المصحوب بالتخطيط والمتابعة؟ ولذا يعيد المؤلف التذكير بحزمة اللوازم والشروط التي تقوي الإصرار على مغالبة الرغبات الواهية مدرجاً متطلبات التحول من خلال استلهام الكثير من العناصر الأساسية في التجارب التنموية الرائدة والأكثر ديناميكية وتحديدا في تجربة النمور الآسيوية مجتمعة إذ يفحص د. الكثيري في مؤلفه 6 عناصر تمثل في مجملها متطلبات هذا التحول ،وهي المحددات التي يراها تميل الى الشمولية أكثر منها إلى التفاصيل. ويحيلنا الطرح الى التعرف على حجم التخطيط الابتكاري الذي اتبعته الدول لتنفرد بمقومات صناعة تصديرية ذات تنافسية عالية مستندة على اقتصاد معرفي يكتسب مشروعيته من تطور صاعد يتسم بتحولاته اليومية وإضافاته الثرية. ويعيد المؤلف التعريف بالشروط التي يستنبطها من قراءات فاحصة للمبادرات الإبداعية التي عززت قدرات اقتصادات اقليمية متفوقة عكست ما يشبه المعجزة في سياق التطورات التنموية بما يحولها إلى برنامج عمل خاص ملخصاً منطلقاته في : الرؤية الواضحة المصحوبة ببرامج وآليات، المؤسساتية القادرة على ترجمة الرؤية، صناعة الإنسان ذي المواصفات العالية المؤهل على التعامل مع معطيات التحول، الشفافية والمساءلة، تنموية القطاع الخاص الذي يشاطر الدولة مسؤوليتها التنموية والاجتماعية،فضلاً عن ثقافة مجتمعية في التعاطي مع متطلبات العصر وفق ما تمليه حاجة المشترك العالمي. ويصطحب الدكتور الكثيري في عرضه وهو جُهد مهم في بناء التصورات حزمةً من المواقف والتجارب الاقتصادية المميزة في سنغافورة وماليزيا والهند واليابان وكوريا من خلال إعادة قراءة للقفزات التنموية الجبارة محللا المحتوى العلمي لمقولات الزعماء التاريخيين الذين قادوا مبادرات التحول التي اعتمدت منصة التصدير والتكنولوجيات الرقمية بمهارة مميزة، ووجهها بحرفية متفانية أفراد من ذوي الخصائص القيادية والكاريزما الملهمة كالرئيس لي كوان يو والرئيس مهاتير محمد. ولأن الكتاب لم يكن مجرد عرض عابر لتجارب النهضة غير المشهودة حتى بالمعايير الغربية التي تحققت في النماذج الآسيوية فقد سعى المؤلف وهو يجتهد في حفز الدوافع إلى التحقق من مدى توفر الشروط الستة التي ارتكز عليها وممكنات تجربة تطبيقها على الواقع الاقتصادي الاجتماعي والثقافي في المملكة من خلال تصميم استبانة حوت أسئلة غطت المحاور وتم عرضها على سبعين شخصا من أهل المعرفة والعلم ومن مواقع وظيفية وخبرات تخصصية مختلفة، استخلص المؤلف النتائج وقارنها وخرج بانطباعات هي المحصلة المهمة لهذا الكتاب حيث تنبع أهميتها من الأساس العلمي لمناقشة سؤال التحول والجاهزية الذي وضعه كتاب الدكتور الكثيري ليبقى في إطار محركات البحث ضمن راهن التحولات الاقتصادية المهمة ومحفزات الحراك الاجتماعي الذي ينتظم البلاد. الكتاب صادر عن مكتبة العبيكان في 117 صفحة من القطع المتوسط.