يبدو أن قدر بعض المدن وفألها الحسن أن يقف وراءها رجالٌ شامخون يحبونها كحبهم أبنائهم، رجالٌ عاملون مخططون مستقبليون يعتنون بها كبيوتاتهم ويعتبرون أهلها كأهاليهم بل ربما أكثر من ذلك، ولست أغالي أو أكشف سراً عندما أقول إننا محظوظون كأبناء الرياض بهذا الحب الشمولي الذي طرزه أميرنا المحبوب سلمان بن عبد العزيز قولاً وعملاً. أتى سلمان الرياض بعد غياب فدبّت الحياة في الأزقة العتيقة المجاورة له والبعيدة عنه، وفاء الجمادات وسر حياة الأمكنة التي لم تعتد ذلك الغياب من صاحبها الذي أفنى سنوات شبابه شغوفاً برعايتها؛ عاشقاً للعناية بها، فكثيراً ماعنّ لي الذهاب أكثر من مرة إلى هناك حيث الأزقة العتيقة وبقايا من أنفاس المجد والسؤدد الذي بناه الآباء والأجداد المؤسسون.. كل مرة أتلمس الحزن والتساؤل منها رغم أنها لاتجيد لغة الكلام، لغة التواصل بيننا والجمادات لاتحتاج إلى كلام، يكفي أن يقع في روعك ماتريده هي منك. سلمان بن عبد العزيز كان ولا زال طوداً مخضراً أشرف على الجميع بلا استثناء، عُرف بأبوته وحنوه من منطلق الإنسان الذي يعيش بداخله ولا يفارق بياض سريرته وقلبه، أباً لليتامى، صديقاً للشيوخ وكبار السن كما طلبة العلم وحفظة القرآن، مثقفاً بز المثقفين بقلمه عندما يسطر يراعه مايراد، مع التجار هو الشهبندر الحكيم الذي يوجه بالصدق والشفافية، ويمنح ويهب، يغضب لغضب المواطن فالأصل لديه راحة المواطن والمقيم على حدٍ سواءٍ دون فرق.. في ديوان الإمارة العامر؛ عُرف عنه أنه أول الواصلين، وآخر من يخرج فاتحاً بابه على مصراعيه للسائل والمحروم، للعائل والمظلوم، للصغير قبل الكبير، للضعيف قبل القوي.. ها أنذا أنظر في إحدى الصحف للصورة التذكارية المشهورة التي صورها الملك المؤسس طيب الله ثراه مع بعضٍ من أبنائه في قصر المربع عام 1366ه، كان حفظه الله آنذاك من جيل الصغار سناً إلاّ أنه كان متحفزاً شامخاً تنبؤك الفطرة بما سيؤول له المستقبل، وعلم الأقدار بيد الله، فأكثر من خمسين سنةً قضاها يحفظه الله أميراً للعاصمة، اصطبغت به واصطبغ بها، وحول العاصمة إلى ورشة عملٍ لا تهدأ وعاصمةً للتنمية النابضة بالحياة، تغير وجه الرياض وبات أكثر لحاقاً بالعواصم العالمية التي لا تعرف التثاؤب، عروساً للصحراء ورحماً حانياً آمناً لأبنائها. إذن.. فيبدو أننا رغم كل شيء لن نحيط بهذا الحب مهما أوتينا من براعة قلم وسلاسة تعبير، إنه جانبٌ واحد من جوانب الحب الكبير والعلاقة المتبادلة بين الإنسان والأماكن، فلا غرو إذاً أن يمتد عيد الوطن عامةً والرياض خصوصاً إلى أكثر من ذلك. *مسؤول إعلامي بهيئة الهلال الأحمر السعودي