أين تتجه الأزمة الكورية؟ وماذا بعد الاشتباك الأخير في البحر الغربي؟ ومن يملك مفتاح الحل؟ إن العالم قد أضحى اليوم أمام فصل جديد من فصول الأزمة طويلة الأمد في شبه الجزيرة الكورية. فصل انتقل فيه المتواجهون من الضغط النفسي المتبادل إلى الضغط على الزناد. لقد قُدم الكثير من التحليلات حول ما جرى يوم الثلاثاء الماضي في البحر الغربي، إلا أن أحداً لا يمكنه الجزم بالدوافع النهائية للخطوة الكورية الشمالية، وما إذا كانت تجاوزاً عابراً لهدنة هشة، أم نهجاً جديداً سيجري تثبيته والارتكاز إليه في لغة التفاوض الثنائي، وذلك المرتبط بالمجموعة الدولية. إن المجتمع الدولي معنيّ بالبحث عن مقاربة مجمع عليها للوضع في شبه الجزيرة الكورية ولابد من إدراك حساسية الموقف السائد، فسياسة تجريب الخيارات قد تنطوي على عواقب يصعب السيطرة عليها، وقد تتدحرج على نحو يجد فيه العديد من الأطراف نفسه في قلب الأزمة ولقد نظر إلى الصين باعتبارها القوة الأكثر قدرة على التحرك دبلوماسياً لتطويق الامتداد الجديد في الأزمة.إلا أنه ليس من الثابت ما إذا كان الصينيون قادرين فعلاً على إعادة توجيه الأحداث وضبط إيقاعها. فالقبضة الصينية على الملف الكوري الشمالي شابها شيء من التراخي، منذ أن بدأت قيادة الشمال تنظر إلى السياسة الصينية على أنها ذات نزعة براغماتية متزايدة. ولا ريب أن المجتمع الدولي يرى بالعين المجردة حجم الدعم الصيني للكوريين الشماليين، أو الجزء الأكبر منه على الأقل، لكن قليلين هم من يتوقفون أمام الطبيعة المعقدة لطبيعة الروابط القائمة بين البلدين. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من المشروع تماماً النظر إلى بكين باعتبارها النافذة التي يمكن من خلالها إطلاق جهود التسوية الدبلوماسية، أو بالأصح إعادة توجيهها.إلا أنه لابد من توخي الحذر الكثير على صعيد التوقعات. أجل، فقد أطلقت كوريا الشمالية حوالي 100 قذيفة تجاه جزيرة يونبيونغ التابعة لجارتها الجنوبية في البحر الغربي، أدت إلى مقتل أربعة أشخاص، ثلاثة منهم مدنيون كما أصيب 18 شخصاً، بينهم 15 جندياً. وقد ردت القوات الجنوبية بطلقات مدفعية مماثلة. وهذا هو أعنف اشتباك منذ انتهاء الحرب الكورية في العام 1953 . وقال الرئيس الكوري الجنوبي، لي ميونغ باك، الذي يتبع سياسة حيال الشمال تعرف بأنها متشددة، إن الهجوم على المدنيين أمر لا يغتفر، وإن أي اعتداء آخر سيقابل برد شديد. وعلى الرغم من ذلك، انتقد الإعلام الكوري الجنوبي سياسة لي ميونغ تجاه الأزمة الأخيرة، واعتبرها لينة ومتراخية. وتنصب كوريا الشمالية آلاف القطع من المدفعية على الحدود مع الجنوب، مصوبة على نحو خاص نحو العاصمة الجنوبية سيئول، من شأنها وفق بعض التقديرات، أن تدمر منطقة حضرية يسكنها زهاء 25 مليون شخص في غضون ساعات وحسب. أو على الأقل، من المؤكد أنها قادرة عل أن تلحق أضراراً جسيمة باقتصاد يبلغ حجمه ألف مليار دولار. وفي وقت سابق من هذا العام، تصاعد التوتر بشدة حين اتهمت سيئول قوات الشمال بإغراق إحدى سفنها الحربية بطوربيد عسكري. وقد غرقت السفينة الحربية الكورية الجنوبية "تشونان" بالقرب من جزيرة بينيوندو في 26 آذار/ مارس الماضي، وعلى متنها 104 أشخاص، بعد أن انشطرت إلى نصفين، مما أدى إلى مقتل 46 بحارا. وكشفت التحقيقات اللاحقة عن أن سبب الحادث كان قصف السفينة بطوربيد خارجي مصدره كوريا الشمالية. وعلى صعيد المواقف الدولية من التطورات الأخيرة، قال رئيس هيئة الأركان الأميركية، الأميرال مايك مولن، يوم الأربعاء الماضي، إن الجيش الأميركي يعتقد أن الهجوم المدفعي الذي شنته كوريا الشمالية في البحر الغربي مرتبط بنقل السلطة في بيونغ يانغ. وقال الأميركيون إنهم يجرون مشاورات مع قادة كوريا الجنوبية حول سبل معالجة الموقف. وكان مولين قد صرح، في وقت سابق، بأن ما تم الكشف عنه مؤخراً حول البرنامج النووي الخاص بكوريا الشمالية يوضح أنها "دولة خطيرة"، تهدف إلى صنع أسلحة نووية. وأنه يجب على القوى الكبرى أن تتعاون سوياً للضغط على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل. وخص مولين بالذكر الصين قائلاً إن بكين سيكون لديها بالضرورة "عمل ضخم للقيام به"، في إطار محاولات إضافية للتأثير على بيونغ يانغ. وقالت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية إن حاملة طائرات أميركية ستنضم إلى تدريبات عسكرية مع كوريا الجنوبية قبالة الساحل الغربي لشبه الجزيرة الكورية. وقد غادرت بالفعل لهذا الغرض حاملة الطائرات جورج واشنطن، منطلقة من القاعدة البحرية في يوكوسوكا جنوبي طوكيو. وتعمل جورج واشنطن بالطاقة النووية وتحمل 75 طائرة حربية، وطاقماً يزيد على 6000 فرد. وهناك على نحو دائم حوالي 28 ألف جندي أميركي في كوريا الجنوبية، وتواجه مع قوات الجنوب ما يقدر بمليون جندي كوري شمالي يشكلون أحد أكبر الجيوش النظامية في العالم. في طوكيو قال وزير الخارجية الياباني، سيجي مايهارا، إنه من الصعب استئناف المحادثات السداسية، الرامية لنزع السلاح النووي لبيونغ يانغ، بعد القصف الكوري الشمالي في البحر الغربي. ومن ناحيتهم، قال الروس إن "التصرفات غير المتوقعة" لقيادة كوريا الشمالية تثير قلقهم على أمن المناطق الواقعة في أقاصي الشرق الروسي. وتعود جذور التوتر الحالي في شبه الجزيرة الكورية إلى نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945. وقد اندلعت الحرب الكورية في 25 حزيران/ يونيو 1950 وشاركت فيها الولاياتالمتحدة و15 دولة أخرى تحت راية الأممالمتحدة لصالح الجنوب. وفي تموز/ يوليو 1951 أخذت جبهة القتال تشهد حالة استقرار، واتخذت الحرب طابع المناورات، حتى جرى التوقيع على اتفاق الهدنة في 27 تموز/ يوليو 1953. وقد نص الاتفاق على رسم خط عسكري بين الكوريتين، تقع على جانبيه منطقة منزوعة السلاح، يبلغ عرضها الإجمالي أربعة كيلومترات. ووقع على اتفاق الهدنة قادة الجيشين الكوري الشمالي والصيني من ناحية، والولاياتالمتحدة تحت راية الأممالمتحدة من ناحية أخرى. على صعيد الملف النووي، أبلغ الكوريون الشماليون العالم النووي الأميركي سيجفريد هيكر بأن لديهم 2000 جهاز طرد مركزي. وكشف هيكر، مؤخراً، عن أن مسؤولين كوريين شماليين أخذوه إلى محطة في مجمع يونغبيون النووي هذا الشهر، حيث رأى المئات من أجهزة الطرد المركزي. وأجرت كوريا الشمالية في الخامس والعشرين من أيار/ مايو 2009 تجربة نووية ثانية، رد عليها مجلس الأمن الدولي، في 12 حزيران /يونيو من العام نفسه، بإصداره القرار الرقم (1874)، الذي فرض المزيد من العقوبات المالية على نظام بيونغ يانغ، وأقر حظراً على توريد الأسلحة إليه، وأجاز تفتيش السفن المتجهة من وإلى المياه الكورية الشمالية. وردت بيونغ يانغ على القرار بالإعلان في اليوم التالي نيتها تحويل كافة البلوتونيوم المتوفر لديها إلى مادة صالحة للاستخدام العسكري. وكذلك الشروع في تخصيب اليورانيوم. وتُقدر التقارير الدولية كمية البلوتونيوم المتوفرة لدى كوريا الشمالية بخمسين كيلوغراماً. وهي كمية كافية لصنع خمس إلى ثماني قنابل نووية. وفي مسار آخر للأزمة القائمة، أطلقت كوريا الشمالية في الرابع من تموز/ يوليو 2009، سبعة صواريخ قصيرة المدى، من طراز "سكود". وهي أكبر مجموعة من الصواريخ ذاتية الدفع تطلقها منذ أن أطلقت سبعة صواريخ متعددة المديات في العام 2006، كان بينها الصاروخ "تايبودونغ-2". وقد رأى المجتمع الدولي في صواريخ بيونغ يانغ رسالة سياسية، أو بالأحرى رسالة تحدّ، تماماً كما هو تفجيرها النووي، وكما هو القصف المدفعي الأخير في البحر الغربي. ويقول الباحث والخبير الياباني، هيتوشى تاناكا: "تلك هي عقليتهم. عندما يبدأون مفاوضات جديدة مع الولاياتالمتحدة ، أو اليابان، أو مع كوريا الجنوبية، يرغبون في تحسين وضعهم، عبر إظهار قوتهم، للحصول على موقف تفاوضي قوي. هذا ما تعودت عليه كوريا الشمالية على مر الزمن". إن المجتمع الدولي معنيّ بالبحث عن مقاربة مجمع عليها للوضع في شبه الجزيرة الكورية، ولابد من إدراك حساسية الموقف السائد، فسياسة تجريب الخيارات قد تنطوي على عواقب يصعب السيطرة عليها، وقد تتدحرج على نحو يجد فيه العديد من الأطراف نفسه في قلب الأزمة. إنه وضع بالغ الحساسية للأمن الدولي، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته.