حتى في أيام العيد صعب علينا أن نفرح ، حتى لو حاولنا ان نفرح فسيأتينا من يخبرنا بأنه صعب علينا أن نفرح !!.. ولا اعلم لماذا يوجد داخل البعض منا ضمير يؤنبه عندما يفرح ، وإلا لماذا تأتيني رسالة هاتفية في صباح العيد لتخبرني بان ( لاأنسى في غمرة العيد اخوة لنا يعانون من العوز واليتم والحروب) !!.. ورسالة بعدها بلحظات نصها ( يتمنى لكم مستشفى (س) عيدا سعيدا ، ويذكركم بأن عيادات الطوارئ مفتوحة في ايام العيد )!! .. ورسالة اخرى تذكرني بموت اب عزيز لم يمض على وفاته بضعة اسابيع ، تقول لي ( ليته معنا يشاركنا الفرحة ، فرحتنا في هذا العام ناقصة في غيابه ولكنها سنة الحياة والموت حق على الجميع ) !!.. ثم يجتمع الاقارب ويتحدثون بنفس الكلام المعاد والمتكرر في كل عام وفي كل عيد ، فيقولون ( رحم الله اعياد زمان ، ايام الفرح الحقيقي ، اما اعيادنا الان فلا طعم لها ولا لون ولا سعادة )!!.. طيب ليه النكد ياجماعة.. وفي احدى السنوات كنا في اجازة صيفية لاحدى الدول العربية ، فحل علينا العيد ونحن صغار نراقب بعين البصير مظاهر الافراح من حولنا ، فما راعنا الا غياب الناس عن انظارنا وهم بكامل زينتهم جماعات ووحدانا الى مكان لا نعرفه ، وبعد ساعة او ساعتين عاد الناس وعليهم آثار العرق والغبار ، فسألنا اقراننا الصغار منهم اين ذهبتم ؟ فاخبرونا بأنهم ذهبوا الى المقابر ليسلموا على اقاربهم الاموات ويعايدوهم بعيد لم يشهدوه ولم يعلموا به اصلا ، لا اعلم حينها لماذا فزعت وانكرت الامر ، ولكن عندما كبرت علمت ان الفطرة قد انكرت عملا لا يقره شرع ولا عقل ولا منطق ، والا لماذا نشوه جمال العيد بذكر الموت ، وكيف اجمع في قلب واحد سعادة وفزعا او فرحة وخوفا ..!!.. وبالامس اجتمعنا على مائدة عامرة باصناف الطعام فرحة بالعيد وبهجة باجتماع الاقارب والاحباب ، وعندما هممنا بالاكل قالت احداهن (ياالله ، كم فوق هذه المائدة من نوع وصنف وغيرنا لا يجد ما يسد رمقه ، الله لا يعاقبنا).!! وانهت جملتها من هنا ونهشت هبرة من لحم كانت قد امسكتها بيدها !!.. ***** لقد سمح الرسول صلى الله عليه وسلم للأحباش في يوم العيد ان يتراقصوا بالحراب واين ؟ في داخل مسجده !! ، وسمح لجاريتين ان تغنيا لعائشة في يوم عيد واين ؟ في قعر بيته !!، وقال عن ايام العيد انها ايام اكل وشرب وذكر لله عز وجل ، وسمح فيها باظهار اللهو المباح ليشاهده الناس كلهم وليعرف غير المسلمين بأنه صلى الله عليه وسلم قد بعث بالحنيفية السمحة وليعلموا ان في ديننا فسحة .. فلماذا يعز علينا اذا لم نكن سعداء على الاقل ان نسعد من هم حولنا ولو بكلمة جميلة او ابتسامة عذبة اومجاملة حلوة؟! لماذا لا نتصنع السعادة لاجل ان يعيشها من هم حولنا؟ لعل مفهوم السعادة يغيب عنا احيانا او ربما نحن نغيبه من حيث لا نعلم !!.. فالسعادة انما تستجلب وتصنع ، والسعادة نتيجة لاسباب تعمل ، فليست السعادة بأمر حتمي يسطع علينا كما تسطع علينا شمس يوم العيد ، فالسعادة اعمق من ذلك واكبر ، سعادتنا إن لم نصنعها فاننا ابدا لن نعيشها ، وإن لم نتقاسمها مع من هم حولنا فاننا ابدا لن نشعر بها ، والسعادة طائر جزوع إن ضايقته بكلمة تعيسة او تشاؤم اسود او مقارنة مجحفة او قللت من قدره او تزهدت فيه فان هذا الطائر سرعان ما يحلق عاليا ويتركك على ارض التعاسة تلوك حسرات اعياد مضت كانت السعادة فيها كما تزعم اجمل واسعد ..!! ***** قد نختلف مع بعضنا او نتفق بخصوص ما مضى من الصور والوسائل في التعبير عن فرحة العيد ، ولكن من حق كل انسان ان يسعد بالطريقة البسيطة بدون منغصات او سوداويات لايام معدودات ينفصل فيها عن واقع أليم واخبار موجعة ، فاذا لم ترد هذه النوع من السعادة الصافية ، فليس من حقك ان تجبرني أن اعيش معك في سعادة مشلولة ومشوهة ، سعادة تريد ان يكون اطارها الموت وألوانها بؤس الفقراء وحزن الايتام ودماء الحروب ، فإن لنفسك عليك حقاً ، ولكل حال مقال .. وكل عام وانتم بخير ..