في يوم الاثنين الثاني من ذي الحجة 1431 ه توقف قلب الدكتور محمد عبده يماني ، توقف ذلك القلب الكبير الذي كان ينبض بالمحبة والتسامح ومساعدة الضعفاء والمساكين . والحديث عن معالي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني حديث متشعب ولا يكفيه مقال في صحيفة لأنه رجل متعدد المواهب ، كريم السجايا ، متواضع إلى درجة أنه يخجلك بسؤاله ، عندما تشغلك أعباء الحياة ! . عرفت الدكتور محمد عبده يماني عندما عاد من بعثته للدكتوراة بالولايات المتحدة ، وكنت طالباً بالسنة الرابعة بقسم الجيولوجيا ( جامعة الملك سعود ) . وكان من حسن الصدف أن يقوم بتدريسنا مقرر( الجيولوجيا الاقتصادية) التي أبدع في تدريسها بحسن شرحه وإلقائه الرائع . وقد علّمنا – رحمه الله- كيف نحب الجيولوجيا الاقتصادية ،ولهذا عملت معه – رحمه الله- على بحث التخرج في البكالوريوس عن رواسب الجبس في منطقة الرياض ، وكان البحث من أفضل البحوث في ذلك العهد ، عندما كان معالي الأستاذ الدكتور رضا عبيد عميداً لكلية العلوم بجامعة الرياض سابقاً ( جامعة الملك سعود ) . وخلال تلك الفترة الذهبية عاد من البعثة كوكبة من أعضاء هيئة التدريس المتميزين أذكر منهم معالي الأستاذ الدكتور عبدالله نصيف ، وسعادة الأستاذ الدكتور عبدالملك الخيال ، وسعادة الأستاذ الدكتور أحمد باسهل ، وسعادة الأستاذ الدكتور فايز عنان . كان – رحمه الله - عالماً في الجيولوجيا ، وفي الفقه والحديث ، بالإضافة إلى أنه كان إدارياً محنكاً وإعلامياً متميزاً ، وخلال عمله وزيراً للإعلام لفترة ثماني سنوات ، استطاع أن يتعامل بشكل متواضع وراق مع الجميع ، من مسؤولين ومواطنين . أما من ناحية أعماله الخيرية ، فيقول عنه صديقه الشيخ عبدالرحمن فقيه : (كان -رحمه الله - اجتماعياً لا يسمع بمريض إلا ويزوره ، ولا حفل زفاف يكون مدعواً له إلا ويحضره ، ولا مأتماً إلا ويكون أول المعزين . وكان ملجأ للمواطنين يسعى في حل مشكلاتهم ) . وقد كرس- رحمه الله - وقته وعمره في تحقيق التواصل الاجتماعي وإصلاح ذات البين والمساعدة المادية والمعنوية للفقراء والمساكين في قضاء حوائج الناس . أما في مجال الفكر والدعوة الإسلامية فقد برز من خلال مؤلفاته التي تجاوزت (35)كتاباً في الأدب والفكر والدين والاجتماع بالإضافة إلى بعض الإضاءات العلمية المتميزة . وكان -رحمه الله - باراً بوالديه رحمهما الله خافضاً لهما جناح الذل من الرحمة ، وكان دائماً يفخر أمام طلابه وأصدقائه بأنه ابن لأب بسيط من عائلة بسيطة ... كان ذلك الرجل المتواضع هو من أصبح وزيراً للإعلام ومديراً لجامعة الملك عبدالعزيز ، وحائزاً على أوسمة وطنية مثل وشاح الملك عبدالعزيز وعدة أوسمة دولية ، ومتحدثاً بارزاً في كثير من القضايا الدينية والوطنية .... لقد كان معالي الدكتور محمد عبده يماني أمة في رجل ، ورجلاً تتجاوز طموحاته مدارات النجوم ، أما تواضعه فقد جعله قريباً من الناس ومن قضايا وهموم المجتمع... رحم الله أستاذنا وشيخنا الجليل الدكتور محمد عبده يماني رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وأصدقاءه الصبر والسلوان . (إنا لله وإنا إليه راجعون).