إن الفقيد معالي الدكتور محمد عبده يماني يعد أحد رجالات هذا الوطن البارزين يعرفه الجميع بإسهاماته البحثية الإسلامية، والثقافية والفكرية والعلمية، ودفاعه عن قضايا المسلمين، ومساهماته الكثيرة في مجال الدعوة الإسلامية، وكذلك ما عرف عنه بحبه للخير والأعمال الخيرية، وتتبع قضايا الناس والمحتاجين ومساعدتهم. فمعاليه يرحمه الله حصل على درجة الدكتوراة في الجيولوجيا الاقتصادية من جامعة كورنيل في الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 1390ه، ثم عين أستاذًا مساعدًا في قسم الجيولوجيا بجامعة الملك سعود والتي سبق أن عمل بها معيدًا سنة 1387ه. ومع أن معاليه قد كلف وكيلًا لوزارة المعارف ثم وكيلًا لجامعة الملك عبدالعزيز، ثم مديرًا لها، خلال الفترة مابين 1392ه وحتي 1395ه ، ثم وزيرًا للإعلام وحتى العام 1403ه. لم تنسيه هذه المسؤوليات والأعباء، حبه وعشقه لتخصصه الأكاديمي الجيولوجي، فقد سعى هو وأخيه معالي الأستاذ الدكتور عبدالله بن عمر نصيف لإلحاق مركز الجيولوجيا التطبيقية بجامعة الملك عبدالعزيز تحت مسمي معهد الجيولوجية التطبيقية سنة 1395ه ثم كلية علوم الأرض حاليًا. وقد ظل معاليه طيلة فترة حياته يرحمه الله، على تواصل مع طلابه، وأنا منهم، وزملائه، يتابع أخبارهم، وانشتطهم وأبحاثهم. وقد ألف أول كتاب رائد في الجيولجيا الاقتصادية في المملكة، وهو مجال تخصصه. وكان حريصًا كل الحرص على تدريس هذه التخصص في كلية علوم الأرض، فقد كنا نسعد بزيارته للكلية، والجلوس معنا بعد انتهاء محاضراته أو قبلها ليتبادل مع طلابه، وكلهم أعضاء هيئة تدريس في الكلية حاليًا، وفي تواضع جم، الحديث في شؤون الكلية. وكان محبًا للدعابة والأحاديث المرحة معنا، نحن طلابه وزملائه. كما كان أيضًا يجمعنا على فترات، في استراحة لمعاليه، نتناول معه العشاء، وبكل رحابة وعفوية وتواضع، يشعر الجميع بأنهم في بيوتهم. وكان حريصًا على مشاركتنا حتى في مناسباتنا الخاصة، وكانت آخر مناسبة رأيته فيها، قبل شهر تقريبًا، في حفل زفاف ابنة أستاذي الدكتور عبدالعزيز رادين. وللدلالة على حبه وعشقه لعلم الجيولوجيا، سألني رحمه الله في الحفل، عن عينة صخرية، سبق أن أرسلها للكلية لفحصها. هذه هي أخلاق وديدن العلماء الأجلاء المتواضعين والمحبين للعلم. كان معالي الدكتور محمد عبده يماني يتابع أخبار الكلية، وقد اهتم بها أيما اهتمام. عندما علم بسعي الكلية للحصول على اعتماد أكاديمي دولي، كان لا يبخل علينا بالتوجيه أو النصيحة، ثم شاركنا فرحتنا عند حصول الكلية على الاعتماد، وشرف حفلة أقمناها بوجود وفد الاعتماد الأكاديمي البريطاني. كما أن معاليه كان متابعًا لكل الأنشطة والأحداث الجيولوجية في المملكة، وخصوصا أحداث العيص الأخيرة. معالي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني، ومع مسؤولياته العديدة، كان حريصًا ومحبًا، للتجول في بعض الأماكن البرية البعيدة، للدراسة أو الملاحظه، أو حتى لرغبته في التعرف على معالم جيولوجية أخرى. في أثناء إعداد كتاب له عن موقعة بدر ومنطقة بدر، كان معاليه يحلق في طائرة هيلوكبتر لتدوين ملاحظات جيولوجية وجيوغرافية، ويتابع مع الزملاء والفنيين الخرائط الجيولوجية والجيوغرافية للكتاب. وقد رغب معاليه قبل فترة من الزمن بزيارة حقلية لحرات المدينة، وقد قمنا بزيارة استطلاعية للحرة والتي تتميز بوعورتها الشديدة، ورافقنا فيها صديق عمره، أستاذي معالي الدكتور عبدالله عمر نصيف أطال الله في عمره. ما ذكرته هو ما أسعفتني به الذاكرة ومما أعرفه عنه، ولا شك أن لبقية الزملاء وأصدقائه الكثير الذي سيذكرونه عن معاليه من ذكريات وأحداث، فقد فقدنا رمزًا شامخًا وعالمًا جليلًا، وفقدنا نحن في كلية علوم الأرض، طلابه وزملائه، أحد أشهر مؤسسي الكلية وداعميها، وفقد تخصص الجيولوجيا، أحد أبرز علماء الجيولوجيا الأوائل في المملكة. أخيرًا نسأل الله لمعاليه الرحمة والمغفرة، وقد أكرمه العزيز الجليل، باختياره إلى جواره، في شهر الحج المبارك، وفي ثاني يوم من أيام العشر الفضيلة، كما نسال الله أن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه لراجعون. (*) عميد كلية علوم الأرض سابقًا