من وعد «بلفور» إلى وعد «باراك أوباما» لإسرائيل، وإعطائها الإذن الكامل بالتمدد على تراب كامل القدسالمحتلة، والطلب أن تحنّ على الرئيس الأمريكي، بقبول طلبه إيقاف الاستيطان في الضفة الغربية لثلاثة أشهر، مقابل صفقة طائرات لا يحصل عليها أهم الحلفاء، وكذلك استعمال حق النقض «الفيتو» أمام أي تحرك فلسطيني لا يوافق الهوى الإسرائيلي.. أوباما أدرك أن موقعه الداخلي نتيجة تصاعد الأزمات الاقتصادية والبطالة، وسياساته المترددة، هي التي قفزت بالجمهوريين لأنْ يصلوا بأغلبيةٍ إلى الكونغرس، وهم من أظهر النقد الحاد والمباشر للرئيس الأمريكي، وحتى يحفظ ماء وجه سياسته عقد الصفقة مع إسرائيل لإرضاء خصوم الداخل، واعتقاده أن ضعف الموقف العربي، والفلسطيني بشكل خاص، سوف يسهل المباحثات، ولكنه لن يكون رهاناً على نجاح خطوة بدأت حروبها تخرج بالرفض من اليمين الإسرائيلي والسخط العربي.. لقد فقد أوباما الأضواء عندما عجز عن تنفيذ أي وعد مما اعتقد أنه وسيلته لكسب العالم، وبشكل خاص العالم الإسلامي، مع أنه يعلم أن إسرائيل هي دائماً داخل الأضواء الأمريكية، وما تحققه من ابتزاز لأمريكا، جمهوريين أو ديموقراطيين، سِرّه أن هذه الدولة هي من يحدد سياسة أمريكا في المنطقة العربية، ولا نظن أن هناك أي قوة تستطيع الضغط عليها حتى من أجل مصالح الدولة العظمى، وهو أمر يدركه كلّ من يعرف الحروف الأولى من أي أبجدية لغوية، أن اللاعب هو إسرائيل، والملعوب عليه هو أمريكا! وهو مقياس خضع للسلوك العام لكل الرؤساء الذين وضعوا تحالفهم مع إسرائيل، شرطاً لنجاحهم. لسنا ضد أن تبقى أمريكا مصدر قوة إسرائيل الاقتصادية والعسكرية والسياسية، لكننا ضد الادعاء بوقوفها مع العدالة، وهي التي ترى كل ما جرى ويجري على الأرض الفلسطينية مخالفاً لجميع القوانين الدولية والإنسانية، ومع ذلك تغض النظر عن تلك التجاوزات عندما ينقلب الاعتداء إلى دفاع عن النفس، وقضم الأرض حق وجود (لأرض بدون شعب لشعب بدون أرض) وبمباركة إلهية، كما تزعم الأساطير التي تباركها سياسة الدولة العظمى.. العرب قدموا تنازلات موجعة تعاكس ثوابتهم بأمل أن تسجل أمريكا موقفاً مماثلاً، وأن تضع إسرائيل في موقعها الحقيقي، لكن يبدو أن كل تنازل أو مشروع سلام، أو أمل في الوصول إلى نتائج، تقابله إسرائيل بطلب تنازلات أخرى، والأمر ليس فيه غرابة طالما هي وديعة أمريكا ضد أي حالة طوارئ ناشئة، وأوباما لن يكون الأخير الذي يخلّ بوعوده، بل هو رقم في محفظة إسرائيل تسحب أي رصيد تحتاجه منها، وعلى العرب أن لا يذهبوا بآمالهم إلى ما هو غير متحقق من أي رئيس أمريكي يُحكم بطوق صهيوني في الكونغرس والحكومة ودوائر صناعة القرار، ولا يتعجبوا من الحب المتبادل ، والزواج (الكاثوليكي) بينهما في المصالح والاستراتيجيات، وإلا فهم كمن يجدف في السراب..