تلوح في الأفق بوادر تسوية سياسية لمشاكل المنطقة يتم إنضاجها على نار أمريكية هادئة، تتوجس منها (إسرائيل) وهي الواثقة بقدرتها على احتوائها، ويراهن عليها كثير من العرب وهم غير القادرين على تعديلها، ظانين، ظن السوء، أنها ستعيد لهم بعض حقوقهم. تتجاوز التسوية المقترحة، التقارير تقول أنها ستكون مفروضة، كل الصيغ المتداولة حاليا من مفاوضات مباشرة وغير مباشرة، وتطال مهمة المبعوث الأمريكي ميتشل وقد تنهيها ومهاوي اللجنة الرباعية فتسويها، وصل الجميع إلي يقين بانسداد طرق التسوية الحالية بسبب عجز طرف وتصلب طرف آخر مما يتطلب تدخلا خارجيا. هل سيكون التدخل تقوية لعاجز أو تليينا لمتصلب؟ لا هذا ولا ذاك، بل لتنظيم إدارة الصراع بينهما حماية للمصالح العالمية في المنطقة، وهذه هي التسمية الجديدة للمصالح الأمريكية. أطنب العرب في الحديث عن تصريح أوباما بأن الصراع العربي الإسرائيلي قضية أمن قومي أمريكي، وعن عزمه قبول إعلان الدولة الفلسطينية إذا فشلت المفاوضات الحالية، وطرب العرب لشهادة الجنرال باتريوس، قائد القوات الأمريكية بالعراق وأفغانستان، أمام الكونجرس بأن عدم حل القضية الفلسطينية أدى لخلق مناخ معاد لأمريكا. أزيد هؤلاء العرب قولا من الشعر للجنرال جونز، مستشار الأمن القومي الأمريكي، عن ضرورة العمل لحل القضية لأن الوضع الحالي يهدد المنطقة ويقوي الرافضين للسلام ويضعف الراغبين فيه. وتذكرون بالطبع حديث وزيرة الخارجية الأمريكية عن المصلحة الإسرائيلية في السلام بسبب التطورات التقنية والديموجرافية، وأنه يحرم إيران وحلفاءها من حججهم ويتيح لشركاء واشنطن التفرغ لبناء دولهم. هذا هو بالتحديد الطعم الذي ابتلعه العرب فمنحوا أمريكا مهلة الأربعة أشهر، وإلا هل بلغ حسن ظن العرب بأمريكا حد مطالبتها الدفاع عن حقوقهم المغتصبة، الخيار الآخر، كما هدد أمين الجامعة العربية، الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. عجبي، ماذا تملك الجمعية أن تقدم للعرب، وماذا قدمت لهم طوال تاريخ لجوئهم إليها لنظر القضية؟ خسر العرب بهذه المهلة مواصلة حشر الحكومة المتطرفة في تل أبيب عالميا، وهو أمر بلغ ذروته مع تخلي ايطاليا كآخر دولة أوربية عن موقفها الداعم الدائم لتلك الحكومة وسميت بسببه البطة القبيحة، وبلغ ذروة أخرى مع إعلان معظم دول الاتحاد الأوربي استعدادهم للاعتراف بدولة فلسطينية جديدة وهو ما أقلق الصهاينة. خسر العرب بإعطاء أوباما الفرصة تلو الأخرى برغم تراجعه عن وعوده السابقة مما عني هزال الموقف العربي الضاغط وإمكانية ابتزازه. خسر الموقف العربي المد الشعبي المتصاعد والرافض للتنازلات المجانية والداعم للموقف الرسمي العربي. أجهضت المهلة الخوف الإسرائيلي من انتفاضة فلسطينية جديدة وهبة عربية يؤججها تنامي الغضب ونفاد الصبر، قد تعيد الصراع إلى مربعه الأول مما يعني انهيار كل ما فرضته (إسرائيل) من وقائع على الأرض خلال ستين عاما. منذ خروج مصر من مربع الحرب إلى دائرة التسوية السياسية (التسوية مسمى فرضه هنري كيسنجر لخنق المطلب العربي بسلام شامل وعادل، ثم سميت عملية التسوية لإطالة أمدها) مذاك صدق الجميع أكذوبة أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، وأيقنت (إسرائيل) أن لا حرب بدون مصر، فصبت كل جهودها لتحييد دور مصر. بالطبع خسر العرب كثيرا بخروج مصر من ساحة الصراع، إلا أن التاريخ لم يتوقف هناك، حرب لبنان أيقظت (إسرائيل) من سباتها، حرب غزة أطارت النوم من عينيها وأعادت لبعض الغربيين بعض عقولهم، وكان لجدال النووي الإيراني دوره في إعادة حسابات المنطقة. إذا كانت صواريخ حماس البدائية لها هذا التأثير في (إسرائيل) وإذا كانت صواريخ حزب الله هزت عقيدتها العسكرية بنقل الحرب إلي مدنها وفرضت حالة من توازن الرعب، فكيف سيكون الحال مع صواريخ سوريا العادية أو صواريخ إيران الباليستية؟ أمريكا أيضا أدركت هذه الحقيقة، حاولت بداية إغراء سوريا، ثم جيشت العرب خلفها ضد إيران، وتمانع اليوم قيام مجرد توافق ولا أقول تحالف مع تركيا، ولما لم تنجح مساعيها قنعت بأن تبدل موازين القوى في المنطقة لن يضر بمصالحها، وأنه مجرد تمدد للصراع سيخدم متاجرتها في بيع الأسلحة، وهي الأولى دوليا فيها، وستكون المستفيدة الأولى منه. لذا عزمت أمرها على تخطي الصراع بالاتفاق مع الصين وروسيا على إدارته (تم تهميش الدور الأوربي تماما بعد الأزمة المالية) وأعلنت، تحت غطاء تحقيق الاستقرار العالمي، أنها ستقدم مبادرة حل الخريف القادم في حال فشل الفرقاء. ثم أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي أمام معهد سياسة الشرق الأدنى، عن إستراتيجية أمريكية جديدة للتعامل مع القضايا العالمية وفقا للمصالح الأمريكية، تتمحور حول أربع نقاط: أمن أمريكا وحلفاؤها، خلق نظام اقتصادي عالمي يضمن نمو الاقتصاد الأمريكي ورفاهية الشعب الأمريكي، الحفاظ على القيم العالمية، إيجاد نظام عالمي تعاوني يدعم السلام والأمن. بحثت بمكبر للخط عن حظ العرب من كل هذا فلم أجد، هل العرب حلفاء لأمريكا أكثر من (إسرائيل) بكل نفوذ لوابيها المتعددة بواشنطن، هل ستعمل اقتصادات الدول العربية لرفاهية الشعب الأمريكي، نظرة لموازين المتاجرة معها تكفي، هل سيحمينا النظام العالمي الداعم للسلام والأمن ويعيد حقوقنا؟ أقول لكم الحق هي أسئلة عبثية كعبثية من تصورها، هي تعليق لكل البيض في سلة واحدة مهترئة ومثقوبة. سواء ذهب العرب إلى واشنطن أم إلى الأممالمتحدة لن يحصلوا سوى على وعود، وستطول مطالباتهم بتحقيق الوعود حتى تطول لهم أيدي تحقق هذه الوعود، الوعود التي تتحقق، وعد بلفور مثلا أو وعد بوش، هي التي وراءها مطالب، والعرب كلفوا غيرهم المطالبة بحقوقهم، ويسألون غيرهم حك جلودهم وظهورهم، بشراكم يا عرب فقد اخترعت أمريكا أفضل أنواع المساج.