تسعى الدول في استراتيجياتها الاقتصادية إلى تحفيز قيام الأعمال التجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد، من خلال تقديم الدعم وتسهيلات الإجراءات ومنح القروض بتقديم الكفلات البنكية كما هو حاصل في السعودية لتقليص مخاطر البنوك من أجل منحها قروضاً مالية لمن يرغب في إقامة عمل صغير ذي جودة اقتصادية، يحقق لصاحبه النجاح والاستمرارية، مما يضيف قيمة مضافة إلى إجمالي الناتج المحلي. إن المنشآت الصغيرة تواجه معضلة التمويل من البنوك السعودية مع ارتفاع التكاليف والشروط التعسفية في سوق مصرفية يغلب عليها نموذج احتكار القلة. لكن في المقابل أيضا تواجه البنوك معدلا كبيرا من المخاطرة في إقراض أصحاب تلك المنشآت المبتدئين واحتمالية كبيرة في تعثر وفائهم بالتزاماتهم بدون وجود أصول ثابتة تضمن لها الحد الأدنى من الأمان. كما إن الصناديق الحكومية مثل صندوق المئوية أو حتى برنامج كفالة الذي من خلاله تضمن الحكومة تلك القروض المقدمة من البنوك إلى المنشآت ليست بدون شروط وتكلفة دراسة الجدوى الاقتصادية مع احتمالية فشل تلك الأعمال التجارية الصغيرة التي تصل نسبة فشلها إلى 90% في السنة الأولى من عملها وهذه ظاهرة عالمية. إذا ما هو أفضل الحلول لتمويل تلك الأعمال الصغيرة وتخفيض احتمالية فشلها إلى اقل نسبة ممكنة قبل سنة التسوية ( تعادل ةجمالي الإيرادات مع إجمالي التكاليف ويكون الربح أو الخسارة صفرا). لقد تطرقت في كتابي "الأعمال التجارية الصغيرة" في صفحة 55 إلى أسباب فشل المنشآت الصغيرة الجديدة ومن أبرزها: عدم إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية، عدم وجود خطة عمل مكتوبة، عدم توفر التمويل الكافي. وذكّرت بقول "أنتولي فرانس" في الفترة بين 1924م " الفقير فقط هو الذي يدفع نقداً، إنها ليست ميزة، لكنَهم يرْفضونه الإثمان"، نعم عندما تكون صاحب منشأة صغيرة جديدة فأنت دائما تدفع نقدا لجميع مشترياتك لان البنوك والمقرضين لا يرغبون في إقراضك فليس لديك ضمانات تحميهم من المخاطرة. هنا يصاب المبادر بدهشة وحيرة من أمره هل يبدأ عملاً جديداً أو يشتري عملاً قائماً أو وكالة؟ دعونا نتحدث عن الخيار الثاني بشراء عمل قائم كفرصة من أجل دخول المبادر إلى السوق من خلال صناعة معينة مع احتمالية ممارسته لعمله مباشرة، وقد يكون في موقع جيد وقريب من مكان سكنه. هذا الاختيار له ميزات عديدة منها انه يوجد له سجلات تثبت أرباحه ومصروفاته ويسهل من عملية الحصول على تمويل لوجود ملف المشروع. كما إن الاختيار الثالث وكالة أو حق الامتياز فرصة استثمارية جيدة ولكن تكاليفها مرتفعة، بينما نسب نجاحها في العادة كبيرة. إن على الجهات الممولة أن تتبنى هذين الخيارين اللذين أراهما مجديين للمبادر وترفع نسبة نجاحه، بينما تضمن للممولين سداد ما تم إقراضه لهذا المبادر. لذا اقترح على البنوك وصناديق التمويل أن تركز في المرحلة الحالية على تمويل فتح فروع جديدة لتلك الأعمال التجارية الصغيرة القائمة يمتلكها هؤلاء المبادرون الجدد، ما يزيد من مقدرة تلك المنشآت على التوسع ومنح هؤلاء المبادرين فرصة نجاح أفضل بدلا من بدء عمل صغير جديد نسبة الفشل فيه مرتفعة. هنا يتم تزويد الممول بالسجلات والقوائم المالية لذلك العمل التجاري القائم أو المحاسبة القانونية التي تشل قائمة المبيعات والمصاريف والأرباح ولا داعي لدراسة الجودة الاقتصادية بل يستطيع المبادر أن يباشر عمله مباشرة من خلال اتفاق رسمي بينه وبين المنشأة الأم التي سوف تشرف على عمله ولها الحق في شرائه في حالة فشل ذلك المبادر. هكذا يتحقق النجاح للمبادر، الممول، المنشأة الأم، الاقتصاد ككل. *عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية عضو الجمعية المالية الأمريكية