لا يكاد يختلف أهل الإنشاء والتعمير على أن مما يرفع تكلفة البناء في بلادنا هو كثرة الحديد . وهذا النهج حديث لم تعهده البلاد إلا في تاريخها العمراني الحديث. مختلف المقاييس والأوزان من الحديد نستعملها في الوحدات السكنية . وصحيح أنه كلما ارتفع البناء زادت كمية وأحجام الأسياخ، ، وهذا معروف ومعتمد هندسياً ولا جدال فيه . المثير للجدل أو الخلاف عند أغلب المعماريين هو حرص صاحب العمل على الإصرار على تلك الأوزان ، ووضع الكثير منها على النوافذ العلوية ، وارتفاعها على شكل حراب فوق الأسوار . الشعور بالأمن والإحساس به من حق المواطن . وجود الأسياخ على نوافذ الأدوار العليا قد يُعرقل ويعيق المساعدة والإنقاذ – كما سمعتُ من رجل في الدفاع المدني والإنقاذ - ويُقيّد وصول النجدة في حالات الحريق أو الالتماس الكهربائي . عند التمشي في الشوارع في البلدان الأوربية نجد في الغالب حديقة أمامية لا يرتفع سورها أكثر من متر أو يزيد قليلا (وهو مُقنن) . وقالوا إن هذا أدعى للأمن ، لكونه لا يحجب رؤية من في الباب ، والمار أيضا . والمتفحّص لتراثنا ، سواء رأى المباني القديمة ، أو مرّ بمبان حديثة جرى إنشاؤها على طراز تراثي (بعض المطاعم في الرياض مثلا) سيلاحظ أن نوافذ التهوية تأتي على شكل فتحات ثلاثية الشكل ، صف أو صفين منها تنتهي بواحدة من الأعلى . وهذا لايسمح إلا للهواء بالمرور (لا يمكن لحرامي أن يدخل) للهواء وقليل من الشمس فقط . ونحن صرنا نفتح شبابيك عريضة فوق حاجتنا ، ثم نشتري حديدا للاحتراز .. ! رغم كونها في دور علوي . حاملين الاعتقاد بأننا سنكون في مأمن . مبالغة في التكاليف دون شك.. وتخطر في ذهني طريقة فذّة كان الآباء يستعملونها كخط دفاعي أو حماية ، فهم أيضا كانوا محترسين . فكانوا عند إنشاء السور الخارج للمنزل أو المزرعة يحرصون على الحصول على (الخزاز) وهو نبات من العوسج الجاف والشائك جدّا ، فيوضع - ضمن عملية الإنشاء – على أعلى الحائط لئلا يتسلق إنسان أو حيوان ويأكل الدواجن . و" الخزاز " فُصحى ، وأصلها " الخزوز " لكون كلمة " الخزيز " تعني العوسج الجاف . وتوجد المادة في ضواحي المدن والقرى ويمكن التزوّد بها مجانا . وعند إتاحة الأواني الزجاجية من فناجيل وقوارير استعمل الناس قطعها – بعد كسرها إلى أجزاء صغيرة – لذات الغرض ، وبنفس الأسلوب . طاردت البشر حاسة الخوف وانتقلوا من " الخزاز " إلى كاميرات المراقبة ، دون المرور بالغفير والحارس والبواب..