استفاد المسلمون في بداياتهم المعمارية الأولى من المهندسين والبنائين والصناع الإغريق والبيزنطيين والفرس والقبط وغيرهم، غير أنهم استطاعوا بعد ذلك أن يقدموا للإنسانية فنا متميزا يدل على براعتهم الفريدة، وذلك من عدة نواح. واستعمل المعماريون المسلمون في مبانيهم كل أنواع مواد البناء كالحجارة والطوب المحروق والرخام والخزف، والخشب والحديد والنحاس، وكانت الخلطة اللاصقة من الجبس، أما الجير فكان يستعمل في المباني التي تحتاج إلى مقاومة الماء، كالأسقف والقنوات والمصارف، وكذلك في لصق الرخام. وكانوا يستعملون خلطة من الجبس والجير في صناعة الطوب المحروق، وقد اختلف عمق الأساس في الأرض حسب المبنى، ففي بعض المباني الضخمة كانوا يصلون إلى عمق عشرة أو أَحَدَ عَشَرَ متراً تحت مستوى سطح الأرض، وكانوا يستعملون أنواعاً من الحجارة الصلبة كالجرانيت أو البازلت في الأساس. وقد استفاد المعماريون المسلمون من شتى العلوم والمعارف المعروفة في عصرهم وطبقوها في مبانيهم، ومن أهم هذه العلوم علم الحيل (علم الميكانيكا) وعلم الكيمياء وعلوم الطبيعة مثل الصوت والضوء والتهوية. وابتكروا أنواعا من الآلات الميكانيكية لرفع الثقل الكبير بالجهد اليسير أو لجره، منها أنواع من الكران، وآلات مثل المكحال والبيرم والمنخل والسفين واللولب والقرطسون، وكانت الحجارة الكبيرة ترفع إلى أعلى المبنى بحبال معلقة على مجموعة من البكرات بحيث يجرها ثور واحد فيرفعها بسهولة إلى أعلى. كذلك استفاد المعماريون من علم الكيمياء الذي تفوق فيه المسلمون وطوروه، فصنعوا أنواعا من الدهانات والأصباغ التي تتميز بالثبات والبريق، ومن المعروف أن المسلمين أول من استعمل الزجاج الكريستال الذي ابتكره العالم الأندلسي عباس بن فرناس سنة 887م، كما استعملوا في النوافذ الزجاج الملون والمعشق في أشكال هندسية. بناء المساجد المساجد أول شيء بناه المسلمون من العمارة، فقد بنوا المساجد قبل أن يبنوا القصور أو القلاع أو المدارس، ومن هنا كان المسجد الدعامة الأولى لنشأة فن العمارة الإسلامية، ورسالة المسجد في الإسلام لا تقتصر على الصلاة والعبادة فحسب، فمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم رغم بساطة البناء كان بمثابة مدرسة للعلم والتربية وبرلمان للأمة تعقد فيه الانتخابات (البيعة) للخليفة، وتدار فيه الاجتماعات السياسية والعسكرية، وكان فيه أيضا عيادة للتمريض هي (خيمة رفيدة). وقد بنى المسلمون جوامع ضخمة لنفس الأهداف تشمل مسجداً مستقلاً للصلاة ويلحق به المدرسة أو الجامعة وأيضا المستشفى ومكاتب الإدارة، ومن ذلك جامع القيروان سنة 670م وجامع الزيتونة سنة 734م وجامع الأزهر 972م. وتصميم المسجد عبارة عن ساحة كبيرة فيها منبر خشبي للخطبة، ثم أدخل المحراب المجوف للدلالة على اتجاه القبلة، ثم ظهرت الإيوانات وهي أروقة تحيط بصحن المسجد ولها أقواس مقامة على أعمدة، وملحق بالمسجد غرفة للإمام ومكتبة، وعادة يكون للمسجد ساحة داخلية مكشوفة بها نافورة لتلطيف الهواء وميضأة للوضوء، هذا علاوة على القباب والمآذن. ويعتبر المسجد الأموي في دمشق سنة 710م أول نجاح معماري في الإسلام بناه الخليفة الوليد بن عبد الملك، فقد كان بناءً جديداً في تصميمه، له طابعه الخاص وشخصيته المستقلة عن المعمار في الحضارات السابقة للإسلام. وفي أنحاء العالم اليوم الكثير من المساجد الأثرية الشهيرة التي تنوعت، فهناك المساجد الأموية في الشام والعباسية في العراق والأندلسية في الأندلس والفاطمية في الشمال الإفريقي ومصر، وفي إيران هناك المغولية والصفوية، ثم هناك مساجد الهند والمساجد العثمانية في تركيا. وهذا الاختلاف في المظهر يزيد العمارة الإسلامية ثراءً وعمقًا، ولكنه لا يشمل اختلافًا في الجوهر، وقد راعى المعماريون في بناء المساجد الفخمة مسألة الصوت لتوصيل الخطبة إلى آلاف المصلين والضوء والتدفئة والتبريد كل ذلك بالوسائل الطبيعية. وتعتبر المآذن من أهم معالم المدينة الإسلامية، فهي تبدو وكأنها أذرع ممتدة بالدعاء والضراعة نحو السماء، ويتوج كل مئذنة في أعلاها قبة لها تاج وفوقها هلال كبير، ويحيط بوسطها عدد من الشرفات الدائرية لكل منها نوافذ يُطِلُّ منها المؤذن. وبعض العواصم الإسلامية كالقاهرة ودمشق واسطنبول تسمى ذات الألف مئذنة، وترتفع المآذن في الآستانة إلى أكثر من سبعين متراً فوق المسجد، وتختلف المآذن في أشكالها وأنواعها حسب العصور والبلدان، فمنها المربع والمثمن والدائري، وكانت المآذن الأولى شبيهة بالمنارات الرومانية، وعندما أراد المعماريون المسلمون بناء مآذن أكثر ارتفاعا ابتكروا المئذنة المتحورة، التي تبدأ في القاعدة بأدوار مربعة ثم تعلوها أدوار مثمنة ثم يعلو ذلك الأسطوانة الدائرية. بناء القصور والبيوت مع اتساع الفتوح واستقرار العرب في بلاد الخضرة والماء ومع الرخاء الزائد شرعوا في بناء القصور الفاخرة، وللبيت العربي عمارته المميزة وأقسامه الثابتة رغم اختلاف العصور والبلدان، فهو ينقسم في تأسيسه إلى ثلاثة أقسام رئيسية: قسم خارجي ويسمى (الحواصل)، وفيه مركز الحرس والسائس والخيل والعربات، وقسم أوسط ويتضمن القاعات المهمة للاستقبال والجلوس والطعام، والقسم الثالث وفيه غرف النوم وقاعات الحريم. وأغلب البيوت العربية ذات واجهات صماء خالية من النوافذ الخارجية، بحيث لا يتبين المُشاهد روعة العمارة والزخرف إلا بعد أن يدخل صحن البيت، حيث تواجهه ساحة مفتوحة للسماء تتوسطها فسقية كبيرة يتدفق إليها الماء من نوافير على أشكال حيوانية، ويحيط بالبِرْكة أشجار الليمون والبرتقال والفل والياسمين بعطورها الفواحة، ويحيط بهذه الساحة غرف البيت من كل جانب، وغالبا ما تكون من دورين أو ثلاثة أدوار، وترتفع جدران الغرف إلى أكثر من خمسة أمتار. الرباطات والقلاع والحصون من الأشياء اللافتة للنظر أن المسلمين لم يهتموا كثيرا بعمارة القلاع التي استولوا عليها من الرومان في الشام ومصر وإفريقيا، ولم يهتم المسلمون بسكناها أو تعميرها، والسبب في ذلك أن المسلمين لم يكونوا في البلاد المفتوحة كغزاة أو مستعمرين أو حكام غرباء حتى يتحصنوا من أهلها، وتحضرنا هنا كلمة للخليفة عمر بن عبد العزيز عندما طلب أحد الولاة منه أن يبني حصنا في الولاية لحمايتها فقال له: "حصنها بالعدل، وكفى بالعدل حصنا". تقنية العقود والقباب أول ما ظهر من عناصر وأشكال التقنيات الهندسية المعمارية عند المسلمين هو "العقد المنفوخ" الذي استخدم في المسجد الأموي بدمشق عام (87ه / 706م)، وعمم استخدامه بعد ذلك بحيث أصبح عنصرا مميزا للعمارة الإسلامية، وخاصة في بلاد المغرب والأندلس، ثم اقتبسه البناة الأوربيون وأكثروا من استخدامه في بناء كنائسهم وأديرتهم. كما طور المسلمون تقنية "العقود ثلاثية الفتحات"، والتي كان مصدرها فكرة هندسية بحتة قائمة على القسمة الحسابية، وهو ما استدل عليه الباحثون من رسم باق على جدار في أطلال مدينة "الزهراء" وانتشر استعمال هذا النوع من العقود في الكنائس الأسبانية والفرنسية والإيطالية. نظام التهوية الطبيعي وفي كثير من المدن الإسلامية مثل أصفهان ودبي وحلب، كان ثمة نظام للتهوية والترطيب يدخل في أساس التصميم المعماري؛ هو نظام الملقِّف (البادغير)، ويتألف هذا النظام من برج يخترق البناء ويعلو عليه، تنفتح فيه نوافذ مشرفة في الأعلى ويقسمه من الداخل حاجز متصالب قطري. ويستخدم هذا البرج لتلقف الهواء الخارجي الذي ينساب عَبْر البرج إلى الغرف، بعد أن يمر على سطح حوض مائي يحمل منه قدراً من الرطوبة، وثمة تهوية بسيطة تقام على حواجز السطوح، وهي فتحات أفقية تقوم أيضا" بتلقف الهواء لكي يستفيد منه الساهرون والنائمون على سطح المبنى. ولقد تم اكتشاف نظام للتهوية في بعض المباني الأثرية يتألف من أنابيب تمتد أفقياًً توزع الهواء الخارجي على غرف المبنى. وتبقى النوافذ المشبكة وسيلة شائعة لتلقف الهواء الخارجي. ونظام الملقف يبقى النظام الأمثل للتهوية والترطيب في المباني الإسلامية التي تقوم في بيئة جافة تميل إلى الحرارة، وهو نظام اقتصادي وصحي ولا بد من العودة إليه في أبنيتنا الحديثة. الزخرفة المعمارية تبقى الزخرفة من أهم خصائص الفن المعماري الإسلامي. صحيح أن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أول منشأة معمارية إسلامية، كان في بدايته شديد البساطة والتقشف، فهو مجرد سقيفة من سعف النخيل تقوم على جذوع النخيل، ولم يكن البناء مزيناً بأي عنصر زخرفي، إلا أن إعادة بناء المسجد بأمر الوليد بن عبد الملك، وفي عهد والي المدينة عمر بن عبد العزيز قد تم وفق أسس معمارية جديدة حافلة بالزخارف والفسيفساء على غرار مسجد دمشق. ولقد وصف هذا المسجد العالم الفرنس (سوفاجيه) ورسم زخارفه في كتابه عن هذا المسجد. ويقوم فن العمارة الإسلامية على تكوين التصميم حسب تقاليد الهندسة المعمارية الإسلامية، وتبعاً للشروط الوظيفية، كما يقوم على ابتكار الزخارف النباتية والهندسية والخطية الجميلة. مسجد قلعة مارد قصر حاتم الطائي