للمستشرقين دور رائد في اكتشاف الصحراء العربية وتوثيق تاريخها في عصور كانت فيها مجهولة للكثيرين وتعيش في عزلة عن العالم الآخر، وبالرغم من تباين غايات هؤلاء المستشرقين إلا أننا نتفق أنهم تكبدوا العناء وعرضوا أنفسهم للأخطار في سبيل ذلك، بل إن هناك من فقد حياته نتيجة لذلك ومن أشهرهم على سبيل المثال العالم الألماني ( الريخ زتسن) والفرنسي (تشارلز هوبر) والانجليزي (وليام شكسبير) وكذلك(جيرارد ليتشمان) فهؤلاء وغيرهم كانوا من ضحايا الاستشراق رغم اختلاف اتجاهاتهم وأهدافهم. وسنتحدث هنا عن أحد علماء المستشرقين الذي ولج الصحراء باحثاً وخرج منها عالماً ولكنه عاد إليها جاسوساً فلم يخرج منها أبداً، هو المستشرق الانجليزي (إدوارد هنري بالمر) الذي شارك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ضمن هيئة لاكتشاف فلسطين وكان يستعين بالبدو في معرفة أسماء الأماكن في شبه الجزيرة العربية كما عني في الوقت نفسه بتسجيل عادات البدو وأعرافهم كما قام برحلة أخرى عام 1870م وأصدر كتاباً عن هذه الرحلة يظهر أنه لم يترجم،عين بعد ذلك بسنة أستاذاً في كرسي اللغة العربية في جامعة كامبردج، إلى هنا وسيرة بالمر طبيعية، ولكن يشير الشرقاوي إلى أنه عندما أخذت بريطانيا سنة 1882م تدبر لاحتلال مصر دعي للاستفادة من خبراته في سيناء واتصالاته بأهلها من قبل لكي يتصل ببدو سينا ويؤلبهم فوافق على هذه المهمة التي لا تليق بعالم فسافر إلى الإسكندرية ومنها إلى يافا ثم توجه إلى غزة والتقى أحد شيوخ العرب واسمه (سليمان) ليتجه إلى السويس ويتصل بقبائل سيناء ليصل إلى مضارب الشيخ سليمان الذي كان الرجل الذي يبحث عنه، ثم تعرف على شيخ بدوي يدعى (مطر أبوصوفية) فاستخدمه لإرسال رسائل إلى السويس وعمل على شراء الجمال للجيش البريطاني وكتب في إحدى رسائله أنه يستطيع شراء وتجنيد 50 ألفا من البدو مقابل من 2030 ألف جنيه . ورغم أنه كان يلبس اللباس العربي ويظهر كأحد رجال البدو إلا أن ذلك لم ينجه من مصيره المحتوم، فقد سافر في أحد الأيام ومعه أربعة أشخاص إضافة إلى أبوصوفية وابن أخيه سلامة بن عايض وعدد من الجمالين وكان بعض البدو قد نصبوا كميناً لهم واقتادوهم إلى وادي سدر وقتلوهم وألقوا بهم في وادٍ سحيق وذلك في 20 أغسطس 1882م فكانت نهاية مستحقة لمستشرق انحرف عن المهمة الحقيقية للعالم .