لم أرَ في مصايب الناس مصيبة كمصيبة الارملة الثكلى ، فدون حزنها بموت رفيق دربها يهون عنده كل حزن ، ولا يبكيني صوت كما يبكيني انين وحنين الارملة الى زوجها المفقود ، وانني لأقف في عيادتي مكتوفة الايدي متيبسة اللسان امام الثكلى بزوجها ، بماذا أعزيها ؟ وعلى ماذا ألومها ؟ وكيف اخفف عنها مصابها العظيم ؟ واي مستقبل ابشرها به ؟ .. ***** تحدثت مع امهات فقدن اطفالا في عمر الزهور ، وتحدثت مع نساء فقدن آباءهن ، ورغم الحدث الجلل بموت الابن او موت الاب ، الا اني لم أر حزنا يعتصر الفؤاد كموت رفيق الدرب ، ومصيبة هؤلاء النساء انهن لم يعرفن قيمة المفقود الا بعد فقده ، وانفتاح باب الذكريات على مصراعيه ولكنها ذكريات من النوع الحسن ، ذكرى الطيبة والبر والصدق والمعاملة بالحسنى ، وطمس الموت كل ذكرى رديئة ، فمحيت كل مثالب الزوج ونسيت عيوبه ، وضاعت سيئاته في بحور حسناته ، ولا يصح الا الصحيح ايتها السيدات !!.. ***** موت الزوج والسند والمعيل والحصن مصيبة ليس فوقها مصيبة ، ولعلنا نشاهد حكمة الحكيم سبحانه في تشريعه للارملة بالحداد على زوجها اربعة اشهر وعشرة ايام ، في حين منع المرأة من الحداد على غير الزوج الا في ثلاثة ايام فقط ، لذلك لا تسألْ عن مقدار حزن الارملة الا الخبير ، فكيف عندما يكون هذا الزوج رجلا خلوقا حبيبا طيب المعشر ، وكيف عندما يكونان قد قضيا زمنا طويلا من العشرة الحسنة ، وكيف إذا كان الفراق بعد زمن كبرت فيه الزوجة فوهنت عظامها وضعفت صحتها ورقت حالتها ، وحولها اطفال يتضورون وتبعات لاتنتهي ؟؟ ***** وليت مصيبة الموت تتوقف عند ذلك ، وليت الناس من حولها اذا لم يرحموها فيخففوا عنها ويواسوها في مصابها ليتهم إن لم يفعلوا ذلك ان يتركوها ولا يتدخلوا في شأنها ، فهذا جد الاولاد يأمر وينهى ويقترح زوجا جديدا ، وهذا جار يرسل لها الرسل لتكون زوجة مسيار ثانية ، وهذه زوجة اخي الزوج تقاطعها خوفا على زوجها ، وتلك صديقة اختفت خوفا ايضا على زوجها المصلح الاجتماعي ، وذلك اخ يقسو على اطفالها ، وذلك مجتمع يتهم تصرفاتها ويراقبها كظلها ، والقائمة تطول !!.. ***** أهمس في اذنك يا سيدتي قبل الفوات ، خذي من زوجك ما صفا ، ودعي منه ماتعكر ، اصلحي ماتستطيعين وجاهدي في صبرك ، ودعي مالا تستطيعين لمن يستطيع ولا يعجزه شيء ، اغنمي ايامك واقضيها فيما يسرك ، ففي ايام الشقاء من العناء والبؤس مايكفي ، وتذكري ان الماء اذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث ، فلا تكفري له معروفا واقنعي من زوجك بالقليل ، فإن كرهت منه خلقا فقد احببت منه أخلاقا ، فلا تعرف قيمة الشيء الا بعد فقده ، لا أرانا الله واياكم مكروها.. وعلى دروب الخير نلتقي بإذن الله ..