توالي الشخصيات والصور والأسماء لأصحاب المناصب والكراسي المختلفة طبيعي وفق مبدأ "لو دامت لغيرك لما وصلت لك"، فيا ليت أن لا يغتر بها من يغتر، ويتناسى المزاوجة الرابحة بين المكانة والاستحقاق لها، وأن مهرها إحقاق الحق وإعطاء الجهة والعمل قدره، وكسب قناعة الناس ورضاهم، وإقناعهم عملياً لبراعته بذكره بالخير بعد رحيله وتنحيه، وصنعه لبصمة فارقة تضاهي ما يفعله الآخرين ما ينحت وشم بالقلوب حسرة عليه وافتقاد له. للأسف ثمة من يتكبر ويتجبر حد الشعور بأن الكرسي بات ضمن أملاكه الخاصة، ولولا الحياء والنظام لقال: سأورثه!. بل ربما حفر الأخاديد والخنادق، وأثار البلبلة ولجأ للحيل الدفاعية خوفاً على هذا المكان، أو للحفاظ عليه أطول وقتٍ ممكن، فيعمد لحيلة ضعيف لو علم أن الناس لو اجتمعت على ضره أو نفعه لن يضروه أو ينفعه إلا بما كتبه الله عليه، ولن يناله إلا المقسوم له، ورزقه لو طمع به من فوق الأرض ومن تحتها فلن يأخذه غيره لرتاح. فهؤلاء المتشبثون بالأمكان بغض النظر هل أدوا حقها، وأنجزوا وصنعوا شيئا لها أم لا، لن يكن عندهم قدر كافٍ من الجرأة ليعترفوا بالفشل، ولن يقدموا على خطوة الانسحاب بهدوء متى ما وجدوا أن عطائهم كان اللاشي، أو أنه دون المطلوب وما يجب، أو أنه ما عاد يأتي بالجديد. .. وبالمقابل لا نزكي من لم يحسن اختيارهم، وعجباً من الظن أن نجاح شخص ما في مجال معين يخوله لشغل أي منصب، وكأنه دليل أو برهنة على قدرته على تولي زمام ما خلاه من شئون أخرى، ويذكر أن النبي "صلى الله عليه وسلم" حين طلب منه أبا ذر أن يوليه القيادة، اعتذر ورد عليه بكل شفافية: يا أبا ذر أنت رجل ضعيف ولا تصلح لها. أما نحن فقد نجامل قبل، ولا نراجع بعدها، أو العكس لا نراجع وندقق قبل الحكم والاختيار، ونجامل بعده ولو كانت المحصلة فشلاً ذريعاً ما اعتاد الواصلون الاعتراف به أو أقراره!. فهي صرخة بأعلى صوت العقل: يا إنسان مهما علا مقامك أو عظم شأنك فلست إلا تراب وستعود إليه، والفرق أنك ابتدأت ترابا طاهرا مولودا على فطرة النقاء، وحري بك أن تحرص ألا تعود إليه نجس، ومعجون بالخسة. وفي مقامنا هذا نذكر: المناصب لا تورث، ولا ينادى أصحابها بها يوم العرض، ولا تدوم لأصحابها، فمن أغرته ودعته قدرته فيها على ظلم غيره فليتذكر قدرة خالقه عليه، فذلك المكان والمكانة إما أن تكون حجة له أو عليه، بحسب عمله، وما صنعت يداه سيحاسب عليها في الآخرة، وفي الدنيا لن تدوم منفعتها الحسية والمعنوية ولا المادية، بل قد تلون بالحب الوجوه، وقلوب أصحابها لا تحمل إلا غلا وحقدا وغيرة أو حتى كرها، وتضطرهم الرغبة بالوصول للنفاق والمجاملة، وستر مشاعر حقيقتها تظهر دعوات عليه في ظهر الغيب، فليته يذكر أنه إلى الفناء حتى لو صارت لوارثه.