أصبح الوقت ملحا لمناقشة مدارس وحلقات تحفيظ القرآن بلا تحفظ. القرار الذي أصدره سمو أمير مكة كشف المستور. شيء أقرب إلى الكارثة. أصدر سمو أمير مكةالمكرمة قرارا وطنيا يحظر فيه تدريس تحفيظ القرآن على غير السعوديين. من مسؤولياته سموه حفظ أمن بلاده. كنت أعتقد أن هذا القرار مجرد روتين. التدريس في حلقات تحفيظ القرآن لا يتطلب قدرات نادرة. المملكة منجم لتصدير معلمي المواد الدينية. يفترض أن السعوديين خبراء في الفقه الإسلامي, في الشريعة في علوم القرآن, في المذاهب, في أي تخصص ديني إسلامي. جامعات دينية, معاهد علمية دينية, مخيمات دينية, محاضرات دينية, رحلات دينية, تجمعات دينية, حتى المدارس الحكومية الرسمية تحولت في سبعين في المائة من مادتها إلى دينية. ثلاثون سنة كل شيء في المملكة ينتج دين ورجال دين في النهاية نكتشف أن البلاد لا تستطيع أن تحقق الاكتفاء الذاتي في معلمي تحفيظ القرآن. كلمة الاكتفاء الذاتي كبيرة على الوضع الذي كشفه القرار. الكارثة أنه بعد هذا الزخ الديني المتواصل لا يشكل السعوديون من معلمي تحفيظ القرآن أكثر من خمسة في المائة. لو أنشأت الصومال (على فقرها واضطرابها) مفاعلا لإنتاج الطاقة الذرية لا يمكن أن يتدنى عدد المواطنين الخبراء في هذا المجال عن 5%. هذه النسبة تعني أن البلد لا يوجد فيها أثر لهذه الصنعة. العجيب الثاني أن ظاهرة الإمامة التي أسندت للسواويق في بعض مساجد المملكة هي الآن متفشية (دون أن نعلم) في حلقات تحفيظ القرآن. كشف هذا القرار أن معظم مدرسي تحفيظ القرآن من الإخوة الإندونيسيين والأفغان والباكستانيين مع احترامي الشديد لهم. سيؤدي قرار السعودة إلى إغلاق آلاف حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المنطقة الغربية. هذا ما جاء في تصريحات بعض القائمين عليها. لماذا لا يوجد سعوديون يحلون فورا محل هؤلاء الأجانب؟ سؤال يقلقك؟ يدفعك إلى البحث عن إجابته. شيء أقوى من الفضول. أنتجت الصحوة آلاف الشباب الذي جابوا الأرض يفجرون ويرعبون الناس. لماذا لم تستطع إنتاج معلمي تحفيظ قرآن؟ علما أن تحفيظ القرآن سعودية تقليدية. يعرفها المجتمع السعودي نساء ورجالا منذ مئات السنين. يتذرع القائمون على هذه الحلقات أن السعودي لا يقبل بالرواتب المتدنية التي تقدمها ميزانية الحلقات (500 ريال). خطورة التبرير أنه يردف بالقول إن هؤلاء الأجانب يقبلون على تدريس القرآن من باب الاحتساب لا الربح. لا أجد أكثر إدانة وتعيير لكل تاريخ الصحوة أكثر من هذا الكلام. بعد كل هذه الملايين التي صرفت على مراكز تحفيظ القرآن وبعد كل هذه الجوائز التي قدمها أهل الخير وبعد كل هذه الحملات الإعلانية وبعد كل هذه التفاخرات لا نجد سعوديا يتبرع (احتسابا) للعمل على تعليم كتاب الله لإخوانه وأبناء بلده. أين المحتسبات والمحتسبون الذين يجوبون الأسواق والدوائر الحكومية ويلقون المحاضرات والذين أشغلوا البلاد بتوافه الأمور كالعباءة والغناء والمحرم أين هؤلاء عن سد العجز في تدريس كتاب الله؟. إذا كانت حلقات تحفيظ القرآن لم تستطع أن تنتج عددا كافيا من السعوديين لتغطية حاجتها علينا البحث عن إجابة السؤال التالي: ما المادة أو الثقافة أو الإيدلوجيا التي تحقن بها رؤوس طلاب هذه الحلقات طوال تلك السنين؟