يأتي إعلان مجموعة MBC عن إنتاج مسلسل "عمر بن الخطاب" بالتعاون مع المؤسسة القطرية للإعلام كخطوة كبيرة لا يمكن وصفها إلا بالشجاعة والذكية، وذلك لأسباب كثيرة أهمها أن هذا العمل الدرامي عدا عن كونه سيمثل نقطة وقفزة قوية في مجال الدراما العربية، فهو في المقابل سيجسد سيرة الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب صاحب الدور الاستثنائي في تاريخ الدولة الإسلامية في مراحلها الأولى، والذي أوصى أبو بكر الصديق بخلافته من بعده، وأوضح سبب اختياره قائلاً: "اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم، واجتهدت لهم رأياً فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم". ثم أخذ البيعة العامة له بالمسجد إذ خاطب المسلمين قائلاً: "أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فوالله ما آليت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قربى، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا" فرد المسلمون: سمعنا وأطعنا وبايعوه سنة 13ه. ورغم أن "الخطّاب" قاد الدولة الإسلامية فترة ليست طويلة، إلا أنه استطاع أن يحقق الكثير من الإنجازات العظيمة لصالح الإسلام، فضلاً عن مزاياه الشخصية الفريدة التي جعلت منها أنموذجاً هادياً للمسلمين حتى وقتنا الحاضر. كل هذا التاريخ كان وراء اختيار سيرة حياة الفاروق لتكون عملاً درامياً تاريخياً كبيراً، وهذه الخطوة تمثل في الواقع سعياً حقيقياً لإعادة عرض التاريخ وتصحيحه وحفظه قدر الإمكان عبر الدراما التي أثبتت أنها أسهل وسيلة للتوثيق من تلك القوالب التاريخية الجامدة التي تأتينا عبر الكتب. إلى ذلك.. فإن هذا العمل قد يُمثّل -إذا أعد إعداداً جيداً ومدروساً في كتابة السيناريو والحوار والإخراج والتنفيذ والإنتاج- رداً على الروايات التي أساءت للتاريخ الإسلامي، ولذلك يمكن القول إن المسلسل بمثابة خطوة رمزية كبيرة تأتي في سياق شرح التاريخ الإسلامي شرحاً دقيقاً يفند إدعاءات المغرضين، إضافة إلى أن العمل يُقدّم مثالاً رائعاً للمسلم الصحيح القوي المؤمن، إذ إنه يُبرز الأهمية القصوى لاستلهام شخصية استثنائية من عصر الرسالة التأسيسي كشخصية الخليفة العادل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ليكون مرجعاً مرشداً وهادياً في عصرنا هذا. ومع أن الخطوة التي أقدمت عليها كل من قناة MBC والتلفزيون القطري ليست جديدة في عالم الدراما التاريخية إلا أنها في الواقع تمثل قفزة نوعية مهمة وإستراتيجية جديدة لتصحيح مسار رسالة الإعلام العربي المرئي، الذي انجرف بعضه وراء الموجة العاتية والرياح الصفراء والزوابع المشبوهة وإثارة النعرات الطائفية المغرضة، والإعلان الجديد عن هذه الخطوة تأتي في وقت تحاول فيه قوى الظلم والغطرسة في العالم استغلال التوترات العالمية، للربط بين الإسلام والإرهاب، بإيحاء مباشر أو مبطن من ألد أعداء الاسلام من جهات معلنة ومتخفية، ومن اصطف معها من المشككين الذين ارتبطت مصالحهم بها. وهنا لا يسع المشاهد المسلم العربي سوى انتظار ما سيجود به مبدعو الدراما العربية الذين اختيروا لتنفيذ المسلسل واستحقوا بذلك الريادة بجدارة، وسوف يحملون شرف هذه الرسالة ويتحملون أيضاً مسئولية هذا الإنجاز وعلى رأسهم المبدع حاتم علي؛ على أمل أن تكون شخصية عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) المُلهمة بداية الطريق لأعمال درامية كبيرة تساهم في تعريف العالم بالرسالة الإسلامية الصحيحة بطريقة عصرية وموضوعية ومنصفة، وألا يشوّه هذا العمل الضخم ويخطئ هدفه المنشود، لكن الثقة موجودة بعد الإعلان عن أسماء الهيئة الشرعية التي اطلعت على نص المسلسل وأجازته والمكونة من خيرة العلماء المسلمين. السؤال الذي لا بد منه هنا هو هل يمثل مسلسل عمر بن الخطاب الجديد الذي ننتظره في رمضان المقبل نقلة نوعية في عالم الدراما العربية؟ وهل سيكون مدخلاً لأعمال درامية كبيرة أخرى تليق بالحدث الكبير؟ فلننتظر هذا العمل التاريخي الدرامي الضخم، ولنرى كيف تجسده الشخصية الفنية التي يقع عليها الاختيار لتقوم بمسئولية دور أعظم شخصية إسلامية برزت في تلك الحقبة، ومن لديه الشجاعة والقدرة والجرأة من الممثلين ليتحمل مسئولية وثقل وأهمية هذا الدور الكبير لمن قيل فيه (حكمت فعدلت فأمنت فنمت.. ياعمر).