تأتي وتذهب فصول السنة وما تحويه من مهرجانات وفعاليات ومناسبات، دون أن تُمرر رسالة تحذيرية أو توعوية هادفة -وبشكل مقنع- عن الإرهاب ومخاطره، رغم الخطورة الواضحة للفكر التكفيري الذي يغذي هذا التوجه، وما يجره من ويلات على الفرد والمجتمع ومقومات الحياة وتعكير صفوها. فهل هذا الغياب نتيجة عدم الوعي بأهمية تلك المناسبات كوسيلة فاعلة ومؤثرة؟، أم أن السبب أننا نتفاعل مع الحدث الآني حيث تنشط هممنا، ثم تخبوا بفعل التقادم وتراكم الأحداث؟، أم أنّ قضية مكافحة الإرهاب قضية خاصة مناط بجهة معينة؟، أم أن هناك غيابا لاستراتيجية تحديد الأهداف وإدارتها؟. ولعل المطلوب قبل أن نجيب عن ذلك، لجنة أو هيئة وطنية معنية ببرامج التوعية بكل ما يخص الوطن والمواطن؛ من توعية صحية وتوعية مرورية وأمنية وأخلاقية وغيرها من الأهداف والبرامج التوعوية الاجتماعية، أو متطلبات توعية خاصة وطارئة حال الأزمات والأحداث لا سمح الله، ومثلها قضية مكافحة التكفير والإرهاب. حقيقة إننا نفتقد لمثل تلك الهيئة الوطنية التي تمارس دورها بطرق علمية، ووسائل متطورة معتمدة على الخبرات والقدرات الوطنية، ومخرجات الخدمات الاجتماعية للجامعات السعودية وكلياتها، التي توطنت في جميع مدن ومحافظات المملكة ومثلها الخبرات الأمنية المتخصصة بعلم الجريمة والأمن الوقائي والسلامة. الفكر بالفكر وإذا كنا نعيش بين الفينة والأخرى صورا متنوعة من صور ومخرجات ذلك الفكر الضال والاستقطاب الذي يمارسه أعداء الوطن، واستثماره لخدمة أهدافهم الإجرامية معتمداً على استثمار وتنمية الفكر الاستقطابي والعاطفي، من خلال الصور المقلوبة والمخدوعة وهذا ما أثبته العائدون إلى رشدهم من المغرر بهم، والذي كان آخره ذلك الوجه الآخر من الاستقطاب المتمثل في توجيه العنصر النسائي ليكون عنصراً فاعلاً في هذه المعركة، كما يستدرج مثله من العامة عبر وسائل الاستقطاب القائمة على التغرير، لذا فإنه من الأجدر أن يتم مواجهة هذا الفكر بالقدر الكافي من الفكر والطرح المنظم، ومن خلال فكر لا يقل مهارة واحترافية، إذ إن الفكر لا يواجه إلا بالفكر خاصةً في هذا الوقت الذي أصبح فيه زمام المبادرة لإيصال الرسالة أياً كان نوعها أو وجهتها في يد الإعلام ومؤثراته ووسائله المتعددة التي أصبح بعضها في متناول اليد ولا يمكن الوقوف في وجهها والسيطرة عليها بشكل كامل وتام. نحتاج إلى «إستراتيجية وعي» طويلة المدى تحدد الأهداف ووسائل التنفيذ في كل مرحلة نجاح أمني إن النجاح الملموس الذي تحقق بفضل الله لمؤسستنا الأمنية تجاه مكافحة الإرهاب ووئد الكثير من أهدافه السيئة؛ يمثل واحداً من عناصر النجاح لهذه المؤسسة مع هذه المواجهة، وهذا ما يجعلنا نقتنع بأن مؤسستنا الأمنية قد وضعت يدها على مصدر فوهة هذا الاستهداف منذ اللحظة الأولى لانطلاقة شرارة محاولات زعزعة أمن هذا الوطن، والنيل من مكتسباته الوطنية والتنموية، إضافةً إلى المحاولات والأفعال السافرة التي استهدفت تعكير أمن ضيوف الرحمن، مما يتطلب أن تكون إستراتيجيتنا التعبوية في هذا الخصوص مرتكزة على هذه الخلفية وعبر تلك الهيئة الوطنية. غياب الهدف وفي مضمون الحديث عن غياب رسالة مكافحة الإرهاب عن فعاليات المهرجانات والفعاليات الصيفية وغيرها من المهرجانات في جميع مدن ومحافظات المملكة بالقدر الكافي أو الفاعل دون استثناء، فإنه لابد من الاعتراف بأن دور مؤسسات المجتمع المدني لم يكن جهدها بالقدر المأمول للاعتراف بوجود مشاركة فاعلة ومؤثرة، عدا أن المؤسسة الإعلامية في هذا الوطن بكافة وسائلها -المرئية والمسموعة والمقروءة-، إلى جانب المؤسسة الأمنية كانتا الأبرز في تحمل هذه المسئولية لوحدهما. أ.د. يوسف الرميح فعل مقيت وأكد الرئيس التنفيذي لمهرجان صيف بريدة الترويحي "عبدالرحمن بن عبدالله الخضير" أن الإرهاب فعل مقيت وجريمة بشعة تتنافى مع سماحة الدين الإسلامي وكل القيم الإنسانية، والجميع واثق أن أبناء الوطن المعطاء من أقصاه إلى أدناه يرفضون تقبل هذا الفكر الدخيل والانجرار وراء متاهاته، التي تقود إلى طريق الضياع والهلاك بما فيه من "إزهاق لأرواح الأبرياء، وتدمير للمنشآت، وترويع للآمنين، وإقلاق السكينة العامة، وتمزيق المجتمعات"، وكل ذلك يعد من الإفساد في الأرض، مشيراً إلى أن ذلك يجعلنا متفائلين بأن الظواهر السلبية، والأفكار الدخيلة في طريقها للانحسار والانقراض، خاصةً في مجتمعنا السعودي العربي المسلم المحافظ، التي تبذل أجهزة الدولة فيه جهوداً جبارةً؛ لمكافحة الإرهاب والعادات، والسلوكيات السلبية، وكل الأفكار الضالة الأخرى، حيث وضعت الخطط الكفيلة بالقضاء عليها، ولهذا ينبغي أن تتضافر مختلف الجهود معها لترجمة الأهداف المرسومة وتحقيق أفضل النتائج وصولاً للغايات المرجوة منها. عبدالرحمن الخضير تنويع وتجديد وقال: إننا لم نغفل في برنامج فعاليات مهرجان الصيف الترويحي بمدينة بريدة عن تناول مثل هذه الظواهر السلبية وخطورتها وآثارها الوخيمة على الفرد والمجتمع ككل، وإن كانت بأسلوب غير مباشر وقالب جديد، وذلك من خلال سلسلة المحاضرات الدعوية واللقاءات الحوارية مع الشباب، والتي حملت في مضامينها رسائل ذات أبعاد توجيهية وإرشادية لتعزيز جانب التوعية، وقد تمحورت هذا العام حول أهمية الصلاة ودورها في حماية الشباب من الانحراف، والوقوع في حبائل الجريمة وارتكاب الفواحش والمنكرات، مؤكداً على أن ملتقيات التوعية في المهرجان السابق تناولت موضوع الأمن الأخلاقي، كما أن لكل مهرجان طابعه الخاص به ولكن الأبعاد والأهداف تكون متقاربة، ولجنة المهرجانات تنتهج التنويع والتجديد في الفعاليات حتى تكون ذات جدوى، فأحياناً تجدها تتركز في جانب وتقل في آخر، ولكنها لا تغيب تماماً، والعبرة في الكيف والمضمون وقوة التأثير. الوازع الديني وأضاف "الخضير" أن تنمية الوازع الديني والحس الوطني إلى جانب استغلال أوقات الشباب بالبرامج النافعة والمفيدة؛ يعد السياج الذي يمكن أن يحميهم من الوقوع في براثن هذه الأفعال النكراء، ومن المهم العمل سوياً -مسؤولين ومواطنين ومنظمات مجتمع محلي- بشكل مشترك لتتضافر جهودنا في اتجاه محاربة الإرهاب بكافة أشكاله، مشيراً إلى أنّ المجتمع بحاجة ماسة للبرامج التوعوية بصورة مستمرة حتى يزيد الخير ويضمحل الشر إلى أن ينتهي تماماً باستئصال هذه الشجرة من جذورها، فلا تجد الأفكار والسلوكيات الخاطئة الأرض الخصبة التي يمكن أن تزرع فيها هذه النبتة الخبيثة. تربص بالأمن وأوضح "أ.د. يوسف بن أحمد الرميح" المستشار الأمني واستاذ علم الجريمة ومكافحة الجريمة والإرهاب في جامعة القصيم؛ أنه من المؤسف غياب رسالة مكافحة الإرهاب عن مهرجانات الصيف والمهرجانات الأخرى، والاستعاضة عنها بمهرجانات ترفيهية ودعوية، فقد أُهملت النشاطات الأمنية ونشاطات مكافحة الإرهاب والمناشط التوعوية بالفكرالضال في معظم مهرجاناتنا، وكأننا لا نعيش في وطن "لُسِعَ" مراراً من قبل أرباب الإرهاب في أيامنا السابقة، وما زالت فلول الإرهاب تتربص بنا وبوطننا وبرجال أمننا، إذاً؛ البرامج التوعوية الأمنية الموجهة لمكافحة الإرهاب والفكر الضال في غاية الأهمية وأهميتها تعادل إن لم تزد عن أهمية البرامج التوعوية الأخرى، فالأمن هو محك تقدم وتنمية أي حضارة من الحضارات، وأي بلد تنقصه نعمة الأمن، هو بلد فقير مسكين فوضوي مدمر، وإن كان غنياً بالموارد الطبيعية والبشرية والأمثلة كثيرة جداً من واقعنا المعاصر. تنمية الحس الأمني وأضاف: لابد من نشر الفكر الأمني وفكر مكافحة الإرهاب والفكر الضال بكل طريقة ممكنة عن طريق الإعلام بكل صوره المرئي والمسموع والمقروء، وعن طريق الأسرة لتوعية صغاره بأهمية الأمن والحفاظ على أمن الوطن، وتنمية الحس الأمني بين الطلاب؛ بقراءة مقالات عن "الأمن وخطر الانغلاق وخطر الإرهاب والخلايا الإرهابية وخطر التكفير وحرمة دماء المسلمين والمستأمنين" في الطابور الصباحي وفي الفسحة وفي مواد التعبير والرسم والإملاء والتوحيد والفقه وغيرها، داعياً كل مدرسة لعمل معرض أمني مصغر ويعطى جائزة لأفضل مقال وقصة وقصيدة وصورة عن أمن وطننا وخطر الإرهاب، وكذلك في المسجد بأن يقرأ الإمام -ولو كل أسبوع مرة- عن أهمية الأمن في المجتمع، وقيام إمام المسجد بدوره الأمني بالاهتمام بتوعية جماعته للأخطار الأمنية، والنصح والتبليغ عن أي مخالفة أو نشر لفكر داخل مسجده. وسائل متعددة وطالب "الرميح" الأندية بوضع لوحات جدارية على سياج الملاعب تتحدث عن الأمن وصور لرجال الأمن وشهداء الوطن "شهداء الواجب"، وكذلك صور عن آثار الإرهاب التدميرية، وكذلك رسائل توعية عن الأمن وخطر الإخلال به عبر ساعات التوقيت في الملاعب، مشيراً إلى أهمية أن يكون عملنا مستمراً ودائماً ومنظماً، بعيداً عن الشوشرة والبهرجة الإعلامية، فهدفنا هو إرسال رسائل أمنية وليس دعائية ومن أكبر الأخطاء الملاحظة في هذا الجانب أن عملنا الأمني عبارة عن ردود أفعال موقتة وغير مدروسة وغير منظمة وسرعان ما تنسى وتهمل، داعياً المتخصصين في قضايا الإرهاب والفكر الضال مضاعفة الجهد في هذا الجانب الخطير والحيوي، حيث يتمثل هذا الجانب في التوعية من خلال المحاضرات والندوات والبرامج المختلفة وتوعية المجتمع بكافة شرائحه ضد الإرهاب وبناء جبهة داخلية قوية ومنيعة ضد الأفكار التكفيرية والإرهابية. دور متخصص وشدد على أهمية إعطاء "مؤسسات المجتمع" المتخصصين أدوارهم الحقيقية، وفتح المجال أمامهم في التوعية، فلا مانع من أن يكون هناك برنامج أمني لمكافحة الإرهاب والفكر الضال والمخدرات وغيرها في كل برنامج في المجتمع أن لا نركز كل برامجنا على الإرهاب ولكن ندخل مكافحة الإرهاب بطريقة فنية سهلة وممتعة في كافة البرامج حتى لا يمل الشباب من تكرارها، مناشداً الجميع استثمار كل منشط ثقافي واجتماعي ورياضي وديني وتوعوي لتنمية الحس الأمني وتقوية حربنا ضد الإرهاب والفكر الضال.