من الطبيعي وجود خلاف وتناقض مواقف وبرامج بين أحزاب السلطة والمعارضة في كل المجتمعات، إلا أن هذه الخلافات في البلدان التي تنتهج التعددية السياسية والديمقراطية تبقى ضمن مصالح الوطن وحدود وشروط اللعبة الديمقراطية وتشريعاتها السائدة، حيث تتنافس البرامج والسياسات والكفاءات والمهارات الحزبية والإدارية لتقديم أفضل الخدمات والإنجازات لنيل رضا الناخبين والظفر بأصواتهم كخيار سلمي وحيد للتغيير والوصول إلى السلطة.. هذا الواقع لا ينطبق على طبيعة العلاقة السائدة في اليمن بين كل من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وأحزاب اللقاء المشترك المعارض حيث مضت خلافاتهما منذ الانتخابات الرئاسية عام2006م بمنحى تصاعدي رأسياً وأفقياً ليتجاوز حدود ومعايير اللعبة الديمقراطية ليتحول إلى ظاهرة سياسية غريبة وخطيرة، ألقت بظلالها السلبية ومكايداتها السياسية، على المشهد السياسي اليمني بشكل عام وتحوله إلى واحة مصالح ومشاريع صغيرة تتصارع حولها العصبيات الحزبية والإيديولوجية والمواقف العصبوية المتطرفة. حالة الانسداد السياسي الراهنة كانت بدايتها العملية في استمرار أحزاب اللقاء المشترك حملتها الدعائية التي صاحبت الدورة الانتخابية الرئاسية لتجعل منها حرباً سياسية دعائية وإعلامية مفتوحة ومستمرة ضد المؤتمر الشعبي العام سعت من خلالها إلى التشكيك في إرادة الناخبين، ووضع العراقيل للحيلولة دون نجاح المؤتمر في تحقيق برنامجه الانتخابي، وفي الوقت ذاته تقديم المبررات لفشلها الانتخابي، وهذه المبررات الواهية وغير المنطقية سرعان ما تحولت إلى مشروع سياسي وبرنامج حزبي مطالب بتغيير لجنة وقانون الانتخابات وفق معايير واشتراطات ومطالب جديدة، أساسها تلك المبررات التي أرتأتها أحزاب اللقاء المشترك سبباً لفشلها، منقحة ببعض آراء وملاحظات ومقترحات لجنة المراقبة الأوروبية، ومثَّل ذلك الموقف إيذاناً ببداية أزمة سياسية حادة.. شعاراتها العامة الإصلاح والتطوير وجوهرها الثأر وتصفية الحسابات السياسية والسعي للانقضاض على الشرعية الدستورية والديمقراطية، والمطالبة – بصورة فجة – بالمشاركة في الحكم بعيداً عن صندوق الانتخابات، هذه البذور وجدت أرضية مواتية لنموها على أنقاض ما خلّفته الحملة الدعائية والانتخابية لأحزاب اللقاء المشترك من أجواء مشحونة بالكراهية والعداء، ورواسب وقناعات سلبية خطيرة في الوعي والوجدان الشعبي. ما حصل بعد انتخابات العام 2006م هو نموذج من الأزمات الوطنية التي تفرزها التيارات السياسية وحسابات المصالح الضيقة، ولا يمكن أن تأتي من خارج إطار التاريخ، ولا وجود لها إلا في الفعل الإنساني، ومثلت نتاجاً مباشراً لمواقف وسلوكيات النخب السياسية والثقافية والحزبية المعارضة والمتصحرة فكرياً، وما أنتجته أفعالهم وسياساتهم وخياراتهم العملية ومصالحهم حين حادت عن الإطار العام للأهداف والمصالح الوطنية العليا. تلاحُق دورات الفشل التي منيت بها أحزاب اللقاء المشرك وعجزها عن تحقيق مكاسب سياسية حزبية سواء بالوسائل المشروعة أو بالتوافق السياسي.. وافتقارها لأوراق الابتزاز السياسي والمساومات المربحة، كل هذا دفعها إلى انتهاج سياسة هجومية تصعيدية شعارها «إصلاح أرضية الملعب» وتغيير شروط وقوانين «اللعبة الديمقراطية» بهدف خلق معطيات لواقع سياسي جديد موات لتحقيق برامجها ومشاريعها الحزبية، فعمدت للعمل على إضعاف وخلخلة البنية والوحدة الوطنية والمؤسسية السائدة وضرب عناصرها الرئيسة: «الاقتصادية، الاجتماعية، والأمنية والديمقراطية» وتحويلها إلى بيئة مضطربة ورخوة صالة لإنتاج واستثمار المزيد من الأزمات والإشكالات والنشاطات المعادية للوطن، التي سرعان ما تحولت في أيديهم إلى أوراق رابحة في المساومات والمناورات والابتزاز السياسي، ومن الناحية العملية تم توظيفها كمعاول لهدم ولزعزعة الأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي، وتدمير الصرح الوطني المشيد ليسهل عليهم إعادة بنائه بالمعايير والمواصفات التي يريدونها. ومن خلال قراءتنا لوقائع المشهد السياسي وأحداثه، ولمسار العلاقات بين السلطة والمعارضة تتجلى بوضوح حالة الفرز والاستقطاب التي حصلت على الأرض خارج إطار المصالح والبرامج الحزبية وبروز تيارين: الأول: يسعى للدفع بالأمور خارج نطاق السيطرة والوصول بالأوضاع الوطنية إلى حافة الكارثة والانهيار الكلي. والآخر: يعمل على إعادة صياغة الوقائع والأحداث والتطورات وفق خيارات وطنية سليمة، تجسدت على الأرض من خلال قبوله اتفاق 26 فبراير 2009م بهدف وقف الاتساع المتنامي في هوة الخلافات الحادة، ومحاولة جبرها، وتأمين ديمومة الاتصال والتواصل والتفاعل الوطني المثمر بين قطبيْ العملية السياسية (الحاكم والمعارضة) لتحقيق تطلعات الشعب وآماله المستقبلية.. ومع ذلك يمكن القول إن من حسنات اتفاق فبراير أنه وسع نافذة مراقبة الأحداث عن قرب فأظهر الصورة واضحة لنوايا وتوجهات الطرفين الموقعين عليه، فالطرف الأول (المؤتمر) لم يكن بحاجة الى فعل سياسي أو حدث أو اتفاق لاختبار نواياه أو توجهه الوطني لمعالجة أي قضية مهما بدت عصية على الحل في نظر كثيرين، فيما الطرف الثاني (المشترك) عمل منذ البداية على تصوير الاتفاق وكأنه صنيعة نضال طويل وشاق انتزعه انتزاعاً من المؤتمر وأخذ يهيئ الشارع اليمني للتعامل معه على ذلك النحو وعلى أساس أنه شرط مشرع الأبواب لشروط أخرى تتداعى لنصرة المشترك في فرضها قوى في الداخل ناصبت الثورة والجمهورية والوحدة العداء، وتفتح الباب واسعاً للخارج بالتدخل المباشر في الأزمة القائمة تحت دواعي الوساطة وما إلى ذلك من مسميات..