تطالعنا وسائل الإعلام بين فترة زمنية وأخرى، بترتيب أو تصنيف للجامعات حول العالم. وبعدها يحدث الجدال والنقاش، والمباركات والتهاني، أو اللوم والتنقص للجامعات، وذلك على حسب المراكز التي حصلوا عليها. ولكن ما المعيار الذي تبني عليه تلك التقييمات والتصنيفات؟ قد تكون أغلب التصنيفات ذات نمطية وطريقة متقاربة في التقييم، باستخدام أدوات وعناصر متشابهة، وقياس جودة التعليم، بطرق مختلفة، وتتبع النشاط الأكاديمي للمؤسسات التعليمية، ولكن ظهرت في الآونة الأخيرة مواقع إلكترونية، ومنظمات ومراكز مستقلة، تقوم بعملية التقييم للجامعات باستخدام معايير جديدة كليا، وذلك بالاعتماد على الإنترنت في تجميع المعطيات، وقياس جميع مخرجات الجامعات المتواجد بالشكل الإلكتروني. ومن أشهر هذه المنظمات (ويبو ماتركس) وموقعه www.webometrics.info ، الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة، بعد أن وضع الجامعات السعودية في مراتب متأخرة ضمن أفضل ثلاثة آلاف جامعة. ومن خلال هذا التقرير سوف نتعرف على طريقة هذا التقييم، وتفاصيل الأسلوب المستخدم في التصنيف، والفرق بينه وبين أشهر تقييم أكاديمي للجامعات وهو تقييم شنقهاي والمعروف اختصارا ARWU. وللعلم فمعد التقرير لا يميز أو يفضل تقييما عن آخر، ولكن هذا فقط لعرض طرق التقييم، وبيان الاختلاف فيما بينهم، ويبقى التميز والتفضيل للمختصين في هذا الشأن. الويبو ماتركس: التقدم الأكاديمي يجب أن يصاحبه تقدم تقني، متمثلا في النشر الإلكتروني (ويبوماتركس) والتقييم الإلكتروني للجامعات: تعتبر أداة (ويبوماتركس) لترتيب الجامعات في العالم، مبادرة من مختبر Cyber Metrics، والذي يعد مركز بحث تابعا لأكبر هيئة عامة للبحث في أسبانيا، والتي تدعى كونسيخو للبحوث العلمية ويرمز لها CSIC. ولكن الهدف الأساسي لترتيب الجامعات (كما بيّن الموقع الرسمي)، هو تشجيع النشر الإلكتروني عبر الإنترنت، وإتاحة الوصول إلى المحتويات العلمية والمنشورات الأكاديمية. وهذا هو القياس (حسب تصريح الموقع) الصحيح والمناسب في مثل هذه الحالات، وليس كما جرت العادة في تقييم المواقع الإلكتروني العادية، والذي يرتكز على عدد الزيارات، وطريقة تصميم الصفحات. ولكن يكمن الفرق الرئيسي بين تقييم (الويبوماتركس) وغيره من التصنيفات الأخرى للجامعات، أن تلك التصنيفات التقليدية (مثل تقييم شنقهاي)، تركز على الجانب الأكاديمي ونتائج البحوث، ولكنها تهمل مؤشرات التواجد على شبكة الإنترنت، بعكس هذا التقييم (الويبو) الذي يتناول علماء الجامعات، وإنتاجهم العلمي، وكمية نشرهم على الويب، الذي يمكن أن يصل إلى الجماهير والقراء والمهتمين، حيث إن تلك الخطوة تؤمِّن وصول المعرفة العلمية للباحثين، والمؤسسات البحثية في الدول النامية، وغير ذلك من المهتمين، وأصحاب الشأن في مجتمعاتهم. وهذا في رأي (الويبوماتركس) هو الأمر الأساسي الذي يجب الاهتمام به، حيث يدعو إلى تحفيز المؤسسات العلمية والجامعات، والعلماء على الاهتمام بالتواجد الفعلي والنافع على الإنترنت، وكذلك على السلطات صاحبة القرار أن تعيد النظر في سياساتها بخصوص النشر عبر الإنترنت، وتشجيع زيادة الحجم والنوعية للمنشورات الإلكترونية. الفرق بين (الويبو ماتركس) والتصنيفات الأخرى: إن طريقة قياس وتقييم (ويبوماتركس) للجامعات حول العالم مختلفة كثيرا عن التقييمات الأخرى، من حيث الأسلوب في القياس، وطريقة القياس ذاتها، مع أن العنصر المقاس غالبا ما يكون هو ذات الشيء، حيث يقوم موقع (الويبوماتركس) بتقييم 15 ألف جامعة حول العالم، وهو عدد ضخم، ويصب كل اهتمامه على الموقع الإلكتروني للجامعات فحسب، ويجري قياس مستوى الجامعات من هذا الباب، حيث يرى القائمون على هذا التقييم أن التقدم الأكاديمي يجب أن يصاحبه تقدم تقني متمثلا في النشر الإلكتروني، الذي سوف يكون انعكاسا لما يدور داخل الجامعة من نشاطات أكاديمية، وإصدارا للأوراق والمقالات العلمية، وإيداع ذلك الناتج العلمي في محرك قوقل العلمي Google Scholar، وكذلك توفير تلك المقالات أو ملخصاتها على أقل تقدير على شكل ملفات يستطيع الطالب والباحث وغيرهم الاستفادة منها والإشارة إليها عند الحاجة. لقد تم تقسيم النسب المئوية للتقييم على أكثر من معيار، ولكنه أولى انتشار الموقع الإلكتروني، وتواجد روابطه في المواقع الأخرى جل الاهتمام فكان نصيبه 50% لعدد الروابط الخارجية للموقع التي يمكن مشاهدتها من قبل العموم، ويأتي بعدها في الأهمية حجم الموقع الإلكتروني للجامعة ونصيبه 20%، كما أعطى الموقع نسبة 15% على تواجد المحتوى في موقع قوقل العلمي Google Scholar، وأخيرا 15% للملفات الثرية والنافعة بالموقع. من جانب آخر، فإنه لا يتم النظر إلى جودة التعليم نهائيا في هذا المقياس، والتي يصعب أيضا طريقة قياسها هنا. وفي المقابل، نجد أن تقييم شنقهاي أعطى جودة التعليم 10% من النسبة العامة. ولكن الاختلاف الأكبر بين التقييمين هو في قياس الأبحاث والدراسات، حيث يوليها تقييم شنقهاي الأهمية الكبرى بنسبة 40%، في حين أن تقييم الويبو يجعلها بنسبة 15% فقط، كما أنه يقيسها بتواجد تلك الملفات الخاصة بالدراسات على الموقع. وهنا تأتي نقطة الضعف في الجامعات العربية، كما بيَّن الأستاذ الدكتور صالح هاشم، الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، حيث إن الجامعات العربية برمتها لا تعد مراكز بحثية متخصصة، كما أن نسبة طلاب الدراسات العليا قليل جدا. القحطاني: لا بد من وضع تاريخ إنشاء الجامعة، وحجمها، وعدد أعضائها، في الحسبان معايير تصنيف (ويبو ماتركس): ويعتمد موقع (ويبو ماتركس) على مجموعة من المعايير في طريقة تقييمه للمواقع الإلكترونية للجامعات، تتلخص هذه المعايير في أربعة عناصر أساسية هي على النحو التالي: - الحجم (Size): ويقصد به عدد الصفحات التي يمكن الكشف عنها بواسطة أشهر أربعة محركات بحث، وهي قوقل Google، ياهو Yahoo ، ميكروسوفت Live، أيكساليد Exalead. - القابلية للظهور(Visibility) : ويعنى به العدد الإجمالي للروابط الخارجية الخاصة بالموقع وعدد مرات الإشارة إليها من قبل مواقع أخرى، أو ما يعرف بمصطلح (Inlinks). ويتم قياس هذه الخاصية باستخدام محرك البحث ياهو Yahoo فقط. - الملفات الثرية والمفيدة Rich files: وذلك يعني عدد الملفات القيّمة والمفيدة داخل الموقع، وذلك بعد تقييم أهميتها بالنسبة للأنشطة الأكاديمية والنشر، ويتم اعتماد أو حساب الملفات التي تكون بصيغ والتنسيقات التالية: أدوبي أكروبات (pdf)، وأدوبي بوست سكريبت (PS) ، مايكروسوفت وورد (doc) ، ومايكروسوفت باوربوينت (PP). وللعلم فإنه يمكن استخراج كل تلك المعلومات آليا عن طريق محركات البحث المعتمدة والمشار إليها سابقا. - النشاط الأكاديمي (Scholar): ويتم قياسه هنا بعدد توفر الورقات البحثية والمقالات العلمية لكل المجالات الأكاديمية في محرك قوقل للبحث العلمي والمعروف باسم Google Scholar. وفي النهاية على مسؤولي الجامعات ورؤسائها الاهتمام بأمر الموقع الإلكتروني، وجعله عنصرا أساسيا للجامعة، وليس أمرا زائدا أو ثانويا لا فائدة منه. وقد رأينا كيف أن هذا الموقع رفع شأن جامعات وحط من قدر أخريات. وأما بالنسبة للطلاب والمبتعثين، فعليهم الاختيار الجيد للجامعات، وذلك باتخاذ القرار مبنيا على إستراتيجية معينة، تتحقق بها الأهداف. فهناك خصائص لجامعات دون غيرها، وتخصصات متميزة لأخرى، وليس المركز الأول أو المتقدم هو كل شيء، فهناك جامعات متميزة على مستوى العالم بتخصص فريد، ولكنها ليست من ضمن الأفضل على المستوى العام. نقاط هامة خارج القياس: ومن وجهة نظر أكاديمية، علق سعادة الدكتور محمد القحطاني وهو أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الخرج على هذا الموضوع، قائلا: علينا أن نضع الأمور في نصابها الحقيقي. فكل تلك المعايير تختلف عن بعضها البعض لتقدم إضافة وتميز، ولو كانت لها نفس المقاييس لما أهتم بها أحد. فوجود تقييمات مختلفة، سواء للمواقع الإلكترونية أو للأنشطة الأكاديمية والبحثية، شيء مرحب به. ولكن يجب أن تكون قراءتنا له واقعية ومنطقية، ولا نخرجها من سياقها الطبيعي. فمثلاً في مثل تقييم (ويب ماتركس) الذي شجع كثيرا من جامعتنا على الاهتمام بمواقعها الإلكترونية، وجعلها تسعى في سباق محموم لحصد الجوائز المتخصصة، سواء محلية أو إقليمية، وله فضل في ذلك، يعتمد في مقاييسه الأربعة الرئيسة على أعداد الصفحات والروابط الخارجية والملفات والبحوث المنشورة، ولكنه لم ينسب هذه الأرقام إلى حجم الجامعة، وعدد أعضاء هيئة التدريس بها، أو الباحثين وطلاب الدراسات العليا. لأن كثرتهم تساهم بشكل مباشر في زيادة هذه الأعداد. فلو كان كل مقياس من تلك المقاييس نسبه إلى حجم الجامعة لما ظُلمت الجامعات ذات الحجم الصغير والمتوسط أو التي مازالت في طور التأسيس. لأنه وببساطة كلما كبُر حجم الجامعة زادت هذه الأعداد طردياً، وبالتالي ارتقى سلمها في هذا التقييم، إلا إذا كان بها خلل آخر، قد يُستدل بهذا التقييم عليه، خاصة وأن بعض جامعاتنا تفوق المعدلات الدولية من ناحية الحجم، في حين أن البعض الآخر مازال في طور النمو ولم يبلغ معشار هذه المعدلات. لذا أؤكد على القراءة الطبيعية لهذا التقييم، فلا يُقلل من حجمه ويُهمل ولا نجعل منه المعيار الوحيد فتهمل بقية المعايير وتبقى الصورة ضبابية. شيء آخر يمكن أن يصب في هذا السياق، أن بعض هذه التقييمات أصبحت نوعاً من التجارة لبعض الشركات ولبعض المكاتب الاستشارية وللأسف لبعض القائمين على هذه التقييمات.