عاد الجدل والنقاش بخصوص “تصنيف الجامعات السعودية” عالمياً، بسبب ما أثارته مجلة «ساينس» الأمريكية في تقريرها الذي يتهم الجامعات السعودية بدفع المال فقط، دون أي تكلفة معرفية أو علمية تذكر، مقابل الحصول على “هيبة علمية” غير مستحقة. هذا الجدل بخصوص “تصنيف الجامعات السعودية” ليس بالجديد محلياً كما يعلم الجميع، ولكنه بكل تأكيد سيأخذ هذه المرة بعداً عالمياً بعدما أثير مرة أخرى عن طريق مجلة علمية واسعة الانتشار. بداية حكاية التصنيف 2006 في عام 2006 ظهر التصنيف الإسباني لجامعات العالم «ويبو ميتركس» webometrics ووضع ثلاث جامعات سعودية في مواقع متأخرة في قائمة التصنيف الذي ضم ما يزيد على ثلاثة آلاف جامعة، وعندها ثارت كثير من وسائل الإعلام في المملكة مستنكرة ”تخلّف” الجامعات السعودية في هذا التصنيف،إضافة إلى ما أثاره بعض أعضاء مجلس الشورى من جدل واسع. فكتبت جريدة ”الشرق الأوسط” في 13/11/2006 ”تجدد الجدل أمس في مجلس الشورى السعودي حول المراتب المتدنية التي منيت بها الجامعات السعودية خلال تصنيفات عالمية أجريت عن أفضل (500) و(3000) جامعة في العالم.. ورفض عدد من أعضاء مجلس الشورى في جلسته دفاع وزير التعليم العالي عن الجامعات السعودية”.
التصنيف “بطاقة مواصفات ومقاييس” وفي معرض الجدل الحاصل آنذاك، وبالرغم من استهانة بعض الأكاديميين والمسؤولين بمثل هذه التصنيفات وانتقادهم لها، لأسباب تتعلق من وجهة نظرهم بمعايير هذه التصانيف، التي تعتمد على “التنافسية” فيما تهمل جودة المخرج والمحتوى، إلا أن الدكتور “بندر بن محمد حجار” نائب رئيس مجلس الشورى، شدد على أهمية تصنيف «شنغهاي» ، وقال: إن هذا التصنيف اطلع عليه مليونا متخصص خلال عام، 2003 مشدداً على ضرورة الاهتمام بالحصول على الاعتراف الأكاديمي الذي اعتبره “بطاقة مواصفات ومقاييس” لأداء الأقسام والكليات والبرامج.
إنشاء جامعة «هارفارد» الأهلية في مدينة الرياض! وفي حوار مُطول مع جريدة “الشرق الأوسط “حمّل الدكتور عبد الله العثمان (وكيل وزارة التعليم العالي للشؤون التعليمية حينها ومدير جامعة الملك سعود حالياً) كلاً من وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة الخدمة المدنية مسؤولية تخلف الجامعات السعودية في الدخول ضمن التصنيف العالمي. وقال العثمان “يقع على عاتق الجامعات السعودية بذل المزيد من الإبداع والتميز إلا أن الجامعة منفردة لن تتمكن من تحقيق ذلك إلاّ بدعم ومساندة جهات حكومية أخرى مثل وزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية ووزارة الاقتصاد والتخطيط، حيث إن تلك الجهات شريك أساسي في سبيل تحقيق ذلك”. وكشف حينها العثمان عن افتتاح جامعة أهلية في مدينة الرياض تُماثل في جودتها “جامعة هارفارد”، وستبدأ الدراسة فيها خلال العام الدراسي 2006-2007 وستعد إحدى أرقى الجامعات العالمية.
2007-2008-2009 الوزارة تُراقب هذه «المؤشرات» وتستفيد منها وتُبارك للجامعات! وخلال فترة زمنية قصيرة نسبياً تغير الحال، وتغيرت على ما يبدو حتى النظرة السلبية لمثل هذه التصنيفات من قبل بعض المسؤولين، فبذلت الجامعات كل ما في وسعها من أجل احتلال مواقع متقدمة عربياً وعالمياً في كافة التصنيفات العالمية للجامعات، لتتابع بعد ذلك تصريحات وزارة التعليم العالي، إضافة إلى الجامعات فيما يتعلق بالتصنيفات وما حققته جامعاتنا من تقدم ملحوظ. وكيل وزارة التعليم العالي للتخطيط والمعلومات ، د. عبدالقادر بن عبدالله الفنتوخ، يصرح بعد صدور التصنيف الاسباني الجديد بتاريخ 26 يناير 2009 م، وبعد أن حققت فيه الجامعات السعودية مراكز متقدمة في التصنيف العالمي. بأن التصنيف العالمي للجامعات والمعروف “بويبومتركس” قد وضع جامعة الملك سعود في المركز الأول عربياً و292 عالمياً ، وجامعة الملك فهد الثاني عربياً و302 عالمياً. وقد لوحظ في هذا التصنيف تقدم لأغلب الجامعات السعودية ، حيث حصلت جامعة الملك عبدالعزيز على المركز 1,203 عالمياً بينما حصلت جامعة الملك فيصل على المركز 1,712 عالمياً وكذلك جامعة الإمام محمد بن سعود على المركز 1,788 عالمياً ، والتي أحدثت “أكبر قفزة” للمرة الثانية على التوالي بين الجامعات السعودية. وأكد الوكيل بأن “الوزارة والجامعات السعودية تراقب هذه المؤشرات وتستفيد منها في العملية التطويرية والمقارنة العالمية”. وفي الختام “بارك” الدكتور الفنتوخ للجامعات المتقدمة وحثها على تقديم مستويات أفضل وخدمات أكثر تفاعلاً وفائدة للطلبة وعموم المجتمع!
إعلان الرياض 2011: «تصنيف الجامعات» في دائرة التحفظ! ولكن وفي “انعطافة مفاجئة” يتوقف الاحتفاء ونصل ليوم «إعلان الرياض» الشهير، الصادر في ختام الاجتماع الدولي الذي استضافته الرياض حول التعليم العالي خلال هذا العام، وفيه تم الإعلان عن وضع «تصنيف الجامعات» في دائرة التحفظ، لأنه يسيء للمناخ الصحي للجامعة، ولأن هذه التصنيفات بحسب تعبير الإعلان أيضاً تعتمد في وجه العموم على البحث دون غيره، مع أن هناك جامعات غير بحثية تتميز بأن مخرجاتها أكثر تلبية لحاجة سوق العمل وإسهاما في التنمية من بعض الجامعات الشهيرة! لذلك تمت المبادرة واستبدال« تصنيف الجامعات» ب «إعلان الرياض» الذي يمثل خريطة الطريق لبناء منظومة الجامعات العالمية الرائدة، حيث ينطلق من مبدأ أن يكون نظام الجامعات العالمية الرائدة هو المحرك الذي بمقدوره أن يقود بيئة المعرفة المحلية إلى الاقتصاد المعرفي، ومن ثم فإن من الضروري أن يساعد هذا النظام في تطبيق أفضل المعارف العالمية لحل المشكلات المحلية.
حكاية معايير التصنيف.. حكاية عابرة هناك تصنيفان لا ثالث لهما يتكرر ذكرهما في «حكاية التصنيف»، لعله من الأجدى أن نتعرف عليهما عن قرب، ثم نكمل حكاية جامعاتنا معهما. «موقع ويب ميتركس» .. هو تصنيف عالمي مشهور يرتبط بمعيار الأبحاث والملفات الغنية، ويتم تحديثه بشكل دوري كل ستة أشهر في تموز (يوليو) وكانون الثاني (يناير) يقيس ترتيب أفضل جامعات الوطن العربي في نشر الأبحاث الأكاديمية على “الانترنت” حيث يشمل ذلك معايير تخص “موقع النشر نفسه” بحيث يعطي 20% لحجم الموقع و15% للملفات الغنية ومخرجات البحث و15% ل”علماء قوقل”، و50% لمشاهدة الروابط وحجم التأثير.ومن هذه المعايير معيار الأبحاث ويشمل عدد الابحاث والدراسات والتقارير “المنشورة إلكترونيا” تحت نطاق موقع الجامعة، هذا بالاضافة الى معيار حجم صفحات الموقع التابع للجامعة التي تحتل مواقع متقدمة، اضافة الى مدى استخدام الجامعة للروابط الخارجية ومحركات البحث، وكذلك معيار الملفات الغنية التي يتم احتساب عدد الملفات الإلكترونية بأنواعها المختلفة التي تنتمي لموقع الجامعة على محركات البحث. «تصنيف شنغهاي» .. التصنيف من إصدار جامعة جياو تونغ شنغهاي، وقد صدر أول تصنيف عام 2003م من معهد التعليم العالي بالجامعة، وكان الهدف من إصداره معرفة موقع الجامعات الصينية بين الجامعات العالمية من حيث الأداء الأكاديمي والبحث العلمي. ويقوم هذا التصنيف على فحص 2000 جامعة في العالم من أصل قرابة 10000 جامعة مسجلة في اليونسكو امتلكت المؤهلات الأولية للمنافسة. الخطوة الثانية من الفحص يتم تصنيف 1000 جامعة منها وتخضع مرة أخرى للمنافسة على مركز في أفضل 500 جامعة، وتنشر هذه الجامعة قائمة بأفضل 500 جامعة في شهر سبتمبر من كل عام. ويعتمد التصنيف على معدل الإنتاج العلمي للجامعة، وعلى مدى حصولها على جائزة نوبل أو أوسمه فيلدز للرياضيات.
الدفع «نقداً» لنشر الروابط، ولشراء الأسماء! من يتأمل التصنيفين أعلاه وطبيعة عملهما يستطيع أن يصل ل “الثغرات” التي يمكن استخدامهما من أجل رفع التصنيف، من قبل أي جامعة في العالم، فالأول (ويبو متريكس) كل ما يحتاجه، هوحضور كثيف ومتواصل على الانترنت عموماً وعلى محركات البحث خصوصاً، سواء كان ذلك من خلال تفعيل الموقع الإلكتروني ذاته، وإعطائه زخماً قد لا يعبر بالضرورة عن حقيقة الجامعة،أو من خلال “الدفع النقدي المباشر” للآخرين من أجل نشر وانتشار روابطه ومحتوياته. أما الثاني (شنغهاي) فإن مما يؤخذ عليه (معيارياً) اعتماده الكبير (نسبة 30 % ) على الإنجازات الفردية، أي انجازات أعضاء التدريس الذين نالوا جوائز نوبل وأوسمة فيلدز، تقديراً لبحوثهم. هذا المأخذ المعياري على التصنيف، والذي بامكانه رفع التصنيف عالياً هو ذاته الذي يمكن استغلاله كثغرة في التصنيف من قبل الجامعات، بمجرد أن تتعاقد هذه الجامعات مع أصحاب جوائز وبحوث، شرط أن يقترن اسمها باسمه فقط دون أي عمل بحثي جدي مباشر أو حلقات تدريس ومحاضرات يستفيد منها طلاب هذه الجامعات، وهذا ما عبر عنه الدكتور « محمد القنيبط» في صحيفة الحياة، واستشهدت به الساينس، بقوله: “إنهم يقومون ببساطة بشراء الأسماء”!، وهذا هو تحديداً ما أثار حفيظة مجلة «ساينس» في عنوانها المثير “جامعات سعودية تشتري هيبتها الأكاديمية نقداً!” الذي فيه أيضاً يقول «تيدي فيشمان»، مدير مركز النزاهة الأكاديمية في جامعة كليمزون في جنوب كارولينا “إن البرامج تعطي انطباعاً مزيفاً مقصوداً بأن الجامعات تقدم أبحاثاً عظيمة”!
جامعة الملك سعود: التقرير ترجمة لمقالات نُشرت في الصحافة المحلية جامعة الملك سعود عقدت من فورها إجتماعاً امتد ل 12 ساعة وهو ما عبرت عنه ب “خلية الطوارىء”، وفيه اجتمع وكلاء جامعة وعمداء كليات ومختصين، خرجوا بعده ببيان اعتبروا فيه ما جاء في المجلة معلومات غير صحيحة ومغلوطة، و”ترجمة لمقالات نشرت في الصحافة المحلية”، كما رد البيان بالتفصيل من خلال ست نقاط، مع ذكر أرقام ونسب تدعم رأي الجامعة، وتوضح طبيعة عقودها مع هؤلاء الأساتذة وجديتها، عبر برنامجيها (برنامج أستاذ زائر وبرنامج زمالة عالم) بهدف نشر أوراق بحثية، كما أكدت أن “الجامعة لا تشترط في هذه العقود شيئاً من ذلك على الإطلاق، علماً بأنها اشترطت على جميع الأساتذة الدوليين الحصول على موافقات من جامعاتهم وفق الممارسات الأكاديمية المتعارف عليها”.
جامعة الملك عبد العزيز: سيتم إنشاء التلسكوب وسيوضع في القطب الشمالي أما جامعة الملك عبد العزيز فقد دعمت بيانها وجدية تعاملها مع هؤلاء الأساتذة من خلال استشهادها بجزئية وردت في تقرير “ساينس” على لسان أحد العلماء المتميزين وهو عالم في الفلك من كندا، “الذي – بحسب بيان الجامعة تلقى دعوة من جامعة الملك عبدالعزيز للعمل معها بنظام التفرغ الجزئي، فتردد في البداية، لكنه عندما تحقق من جدية الجامعة ورغبتها في الاستفادة العلمية من خبراته وافق على المشاركة في عضوية مجموعة بحثية من الجامعة وتقدم مع أعضاء المجموعة بمشروع بحثي مازال ينتظر القرار للحصول على الدعم المالي لتنفيذه. ومشروعه إنشاء تلسكوب سيتم وضعه في منطقة القطب الشمالي حيث سيساهم معه أعضاء من هيئة التدريس في الجامعة. كما وضحت جامعة الملك عبدالعزيز في بيانها أنها تقوم بعمل استثمار استراتيجي من كل النواحي. وهذا تفكير جيد لاستثمار ممتاز لمستقبل المملكة العربية السعودية.
ختاماً استعراضنا لهذه الأحداث والتصريحات بشكل سريع لا يعني الالمام بكل ما حصل خلال تلك الفترة، ولكنه جرد سريع، ووقوف على نقاط مهمة، قد تساعدنا على قراءة الوضع الحالي بعيداً عن تمجيد الذات، وبعيداً أيضاً عن جلدها، فالاجتهادات واردة، ولكن تضاربها أيضاً دون وجود هدف واضح، غير مقبول،حتى لاتضيع هذه الجهود، وتنتشر في ظلال تعارضها وتقاطعها “حشائش الفساد”المضرة بنمو هذه الصروح الوطنية التعليمية الغالية، والتي ما زلنا ننتظر منها ونعول عليها الكثير.