رغبت أن نخرج من هذا الموضوع فنصرف الحديث إلى شطر آخر فطمأنته وذكرت له أن هذا الأمر لن يدوم بإذن الله، ولا بد في يوم من الأيام من التصحيح، وولاة الأمر حريصون كل الحرص على ما يحقق الأمن والرخاء والطمأنينة لزوار هذا البيت الطاهر، فلننه الحديث. بادر قائلاً: لا لم ينتهِ الحديث، هناك ماينبغي ذكره والتأكيد عليه، مكة تحتضن الأجناس المختلفة ذوي اللغات المتباينة عربية وغير عربية وجلهم في حاجة إلى التوجيه والإرشاد في السلوك والعبادة وما يقدم في هذا الجانب ضعيف لا يعدو حلقات معدودة يقدمها بعض العلماء باللغة العربيه، وذلك لا يخدم إلا جزءًا صغيراً من هؤلاء الزوار. لم أدع له فرصة للاسترسال في الحديث، فقاطعته قائلا : ماذا ترى ؟ أجابني بقوله: من المستحسن أن يقسم الوقت في الحرم فيخصص لكل جنس ساعات معينة يتحدث فيها مرشد بلغتهم من مكبرات الصوت في الحرم كله ليكون النفع شاملاً لأرجائه يتطرق المرشد إلى ما يداخل صلواتهم من الأخطاء الناشئة عن جهل ويدلهم على ما ينبغي من الأدب فيما بينهم وبين إخوانهم في أثناء الجلوس وأثناء السير ويحثهم على التراحم وعدم التزاحم ويحثهم على غض الصوت وتجنب الأحاديث التي محلها خارج الحرم وغير ذلك من الأمور التي لا تخفى. وأمر آخر: خطبة الجمعة التي تكتب وتلقى باللغة العربية وكأن الحرم ليس فيه إلا العرب فلا يستفيد منها ولا يتأثر بها غيرهم، أفليس ثمت وسيلة تعم بها المنفعة؟ رددت عليه: بلى، الوسائل كثيرة لكن الحرم ليس كغيره من أماكن المحاضرات أو المؤتمرات، فمن الصعب القيام بما يوصل الخطبة إلى كل جنس، قاطعني الحديث: هذا صحيح، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله وما لا يمكن يؤخذ منه ما يمكن، وأيسر ما في ذلك أن تطبع الخطبة مترجمة قبل يوم الجمعة بلغات متعددة ثم تنشر في أرجاء الحرم ليأخذ كل إنسان ما يلائم لغته، ومن الممكن النظر في وسائل أخرى كترجمة الخطبة صوتياً أو الأشرطة المسجلة، المهم أن يبدأ التفكير ثم العمل، وبعون الله ستكون النتائج جيدة. سكت فهممت أن أسأله، لكنه لم ينتظر فأضاف: هناك أمر آخر لحظته منذ سنوات ولم أصدق نفسي فسألت عددا من الناس هل تسمعون ما أسمع فأيدوني، هذا الأمر هو أن احد الأئمة – وفقه الله – يقرأ في الصلاة "اهدنا الصراط المستديم" ولم يصحح هذه القراءة وتعجبت ألم يدرك هذا من يصلي خلفه من العلماء وأئمة الحرم. لقد راجعت نفسي ظاناً أنها قد تكون قراءة إلا أني لم أجد في حدود بحثي وسؤالي ما يدل على ذلك، ومع ذلك فلو كانت قراءة أجهلها ويعلمها غيري فلا ينبغي العمل بها لأن ذلك قد يدخل في باب طلب الشهرة والخروج على قراءة متبعة، وذلك جدُ خطير، ولعل من ثماره غير الحسنة أنني أسمع بعض الأئمة في مساجد خارج مكة بدؤوا يفعلون ذلك محاكاة ومتابعة دون علم. وثمة امر آخر له صلة بشؤون الحرم ويدخل في باب العادات المتبعة بعد زوال دواعيها. ألا وهو التبليغ مع الإمام ، بدأت هذه العادة حين كان المسجد ليس فيه مكبرات للصوت ، فلا يسمع الإمام إلا القريب منه. أما اليوم فالمكبرات من أحدث ما يمكن تسمع في أي مكان وصلت إليه حتى إن المصلي ليسمع نَفَس الإمام فكيف بصوته ، فالمحافظة عليها ليست واجبة وإلغاؤها لا يضر بأحد ولا ينقص رزق ملتمس الرزق ، زد على ذلك أن ما يحدثه المبلغ من التشويش على المأمومين أمر ملموس فكثير من المصلين يتابع المُبلغ ولا يتابع الإمام وقد يعرض له شيء من التردد في الركوع والسجود ، فإذا كان ما أقوله حقا – وأرجو أن يكون ذلك – فينبغي وقف العمل بالتبليغ في أقرب وقت ، وإن كان يحتاج إلى نظر ودراسة فلينصح المبلغ بعدم مد الصوت وتنغيمه ذلك الأمر الذي يستغرق جزءاً من الركوع والسجود. توقف ثم سألني: أتراني مصيباً فيما أقول ؟ أجبته : نعم ، وعسى الله أن ينفع بما نقول. ختمت حواري معه بسؤال الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة وأن يجعل فيما نقول الخير والصلاح، واستأذنته في نشر الحوار فوافقني على ذلك.