نعم هذا ما فعلته .. حين اكتشفت أن زوجها يخونها .. ضحكت ! ليس عن تبلد ولا استهانة ولا لأنها لم تجد شيئا آخر تفعله ، ولكن لأنها وجدت في تصرفه هذا المفتاح الذي كانت تنتظره لكي تحرر نفسها من قسوته وجبروته وظلمه لها بعد أن أعيتها الحيل ونفسها والناس من أن تجد لنفسها خلاصا منه .. البعض يعتقد أن اتخاذ القرار سهل وأن المتضرر عليه أن يكون صريحا مع نفسه وقويا في ذاته كي يقول للجاني لا .. ولكن هذا ليس صحيحاً ولا هو واقعي ، والحقيقة أن ملايين البشر يعيشون قهرا إجباريا دون أن تكون لديهم القوة على مجابهته ورفضه وتخليص أنفسهم منه ، أحيانا بسبب الظروف، وأحيانا بسبب رأي الأهل والناس، وأحيانا كثيرة بسبب جبن داخلي يعجزهم عن اتخاذ موقف قد تتغير به حياتهم للأبد صعودا أو هبوطا .. هؤلاء ينتظرون دوما حلا خارجيا وقوة جبرية تنهي اعتقالهم في سجن ذواتهم ، ينتظرون أن يأتي الحل مع الصباح وحين لا يأتي يبقون في انتظاره عند المساء .. ثم ينتظرونه يأتي في يوم آخر ، فيوم ، فعام ، فعقد ، فعقود، وقد يموتون وهم في حالة الانتظار تلك .. بل حتى صاحبتنا هذه قد تستفيد من هذا الحل القدري فتقف بصلابة وترفض السماح وتأبى الرجوع وتصمم على الخلاص ، وقد تعود وقد تنسى أو تتناسى وقد تخضع لكل بروتوكولات سجنها الاختياري غير المكتوبة لكن المتعارف عليها .. يحدد هذا مقدار ما عشعش الخوف داخلها ، مقدار ما تلبستها حالة الخضوع ، مقدار ما في معادلتها الخاصة من سلبيات الخلاص وايجابيات العودة .. كل شيء قابل للقياس ولا توجد كلمة فصل في مثل هذه الأمور ، لذا يصعب جدا أن تقدم لها نصيحة ويزداد الأمر صعوبة حين تتحول النصيحة إلى أداة نخس حادة تخرق أمانها من الوريد إلى الوريد .. من منا لا يحب أن تكون حياته وفق ما يريد ، ما يحب ، ما يظن أنه الأفضل له ، ومن منا لا تحمل حياته منغصات بعينها تعكر مزاجه وتؤرقه ؟! سألت من حاكموا جبنها بمرارة : هل كلما ضايقكم أمر استطعتم أن تبتروه ؟ في العمل ، في المحيط الأسري ، في الزواج ، في سلوك الأبناء ، في المعاملات الرسمية ، كم مرة قلتم "نعم" وكم قلتم " لا " ؟ يقول الشاعر الذي مات ولم تمت كلماته : إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه فهل كان محقاً؟!