أحد المتعاملين في سوق الأسهم السعودية حقق خسائر كبيرة بالأسهم التي يمتلكها في القطاع العقاري رغم مراهنته على عدم تهاوي أسهم هذا القطاع مقارنة مع بقية القطاعات لقناعته أن هذا القطاع لن يتأثر بالأزمة المالية كما هو حال قطاع البتروكيماويات التي تهاوت أسعارها بعد الأزمة بشكل كبير ( تجاوزت 70% )، وقطاع البنوك التي أصبحت محافظها الائتمانية والاستثمارية التي تشكل جل مصادر إيراداتها مهددة بسبب إعسار كثير من الدائنين وتهاوي الأوراق المالية التي تمتلكها، ويضيف هذا المتعامل أن الواقع أثبت صحة توقعه حيت تزايدت أسعار العقار والإيجارات بعد الأزمة في ظاهرة محيرة. المهندس سعود القصير مدير عام دار الأركان أوضح في لقاء صحفي قبل 10 أيام بأن الارتفاعات في سوق العقار السعودية كانت بسبب سيولة كبيرة التي تدفقت للقطاع بسبب الثقة العالية بالسوق العقارية السعودية التي حافظت على ثروات المواطنين عبر أكثر من خمسة عقود مقابل مخاطر سوق الأسهم والاستثمارات الخارجية التي بخرت أموال المستثمرين بالمحصلة، ومهما كانت الأسباب فالقطاع العقاري لم يعانِ من الأزمة المالية فهو مرتبط بأسعار النفط التي بقيت في نطاقات مستهدفة، ومن المتوقع له كما أوضح ذلك المهندس القصير أن يحقق ارتفاعات أخرى بعد تطبيق نظام الرهن العقاري حيث سيرتفع الطلب على العقارات نتيجة ارتفاع قدرات نسبة من المواطنين الشرائية، وبالتالي فمن المفترض أن تكون الشركات العقارية بخير وتكون الأقل تضررا من الأزمة المالية التي أدت إلى شح التمويل المحلي والدولي. الانخفاضات الكبيرة في أسعار أسهم شركات التطوير العقاري المدرجة في سوق الأسهم غير مبررة بتاتا إذا قرئت في إطار أداء الشركات العقارية على أرض الواقع حيث النمو في أسعار العقارات والإيجارات، وبالتالي فإن الانخفاضات في أسعار أسهمها السوقية لا يمكن تبريرها إلا في إطار تغير قواعد المضاربات في سوق الأسهم السعودية وتغير حجم السيولة المتدفقة لهذه السوق يوميا والتي انخفضت إلى معدلات كبيرة جدا في الأشهر القليلة الماضية، فالناظر في أسعار شركات التطوير العقاري المدرجة يجد أن أسعارها تتراوح حول نسبة انخفاض المؤشر العام لسوق الأسهم بعد وقوع الأزمة المالية، كما يجد أنها تزيد أو تنقص عن قيمتها الدفترية، كما يجد أن الشركة التي لديها أسهم حرة كبيرة هي الأشد تأثرا نتيجة ندرة السيولة المتدفقة للسوق. سوق الأسهم بقواعده المضاربية بعد الأزمة دون أدنى شك ظلم شركات القطاع العقاري المدرجة وظلم مستثمريها بالتبعية وهو أمر متوقع من سوق يبحث مضاربوه عن المخرج قبل الدخول في أي سهم ويغلبون الاحتمالات الأسوأ على الأفضل، لكن ما هو مستغرب ظلم أسواق التمويل (المؤسسات المالية، الأسواق المالية) في السعودية وربما الخليج أيضا لشركات التطوير العقاري بعزوفها عن تمويله رغم قوة السوق العقارية السعودية الواعدة والتي من المتوقع أن تشهد نشاطا كبيرا على منتجاتها العقارية بعد تطبيق أنظمة التمويل العقاري، وهي سوق تمكن ملاك العقارات من تسييل أصولهم دون صعوبة خصوصا تلك التي داخل النطاق العمراني وتم شراؤها بأسعار غير مبالغ فيها قبل الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها المنتجات العقارية قبل وقوع الأزمة المالية. قد يكون السبب ضعف العلاقة التاريخية بين القطاعين المالي والعقاري حيث يقوم ملاك العقارات بشراء عقاراتهم وتطويرها من أموالهم الخاصة دون الحاجة للتمويل ، وقد يكون السبب كون الممولين لديهم بدائل أخرى أسهل لتحقيق الأرباح وأضمن من جهة الضمانات حيث لازالت العقارات لا تشكل ضمانا جيدا لأسباب نظامية يجب معالجتها، وهما سببان جعلا العلاقة بين القطاعين علاقة سلبية، ورغم ذلك وإن كان الممولون معذورين في التحفظ على تمويل الأفراد والشركات ذات السجلات الائتمانية الضعيفة فإني أعتقد أنه لا مبرر منطقيا بإحجام أسواق التمويل عن تمويل مشاريع عقارية واضحة الربحية والملكية مثل مشروع جبل عمر الذي يعاني من ضعف التمويلات اللازمة لتطويره في الوقت المستهدف وهو مشروع محدد الملكية ولن يعاني من ضعف الإيرادات لوقوعه أمام المسجد الحرام الشريف وارتفعت أسعار أرضه أضعافا مضاعفة. ظلم القطاع المالي بمؤسساته وأسواقه المالية الأولية والثانوية للقطاع العقاري يجب تفحُصه ومعالجته بأسرع وقت ممكن بالتكامل مع الأجهزة الحكومية المعنية وممثلي القطاع الخاص حتى يأخذ القطاع العقاري حقه في أسواق المال ليلعب دوره الحقيقي في التنمية الشاملة والمستدامة بدل أن يلعب دورا مناقضا حيث يشكل القطاع العقاري حاليا عائقا أمام التنمية لكثرة مشاكله وعوائقه، فمن يعلق الجرس؟ نسأل الله أن يتحرك مجلس الغرف التجارية لمعالجة هذه الأوضاع غير المنطقية التي جعلت المواطن يحلم في امتلاك مسكن ملائم في مقتبل العمر بل وحتى في أرذله رغم الأراضي الشاسعة والأموال الضخمة التي تتجه لهذا القطاع. *أكاديمي سعودي