من عمق أن الحكي تراث الحضارات الأولى للإنسان، فإن الشاعر من أقرب المتأثرين بهذا الحكي/السرد، ما جعل هناك علاقة حميمية بينهما، بل ذهب إلى أكثر من ذلك فأخذ يتناص مع السرد الحكائي آخذاً دلالات عميقة ومتصيداً لرموزها، حتى بات على الشاعر ان يطور أدواته من خلال توظيفه للحكايا راسماً إطاراً للزمان والمكان ليحدث تناغماً وانسجاماً بين عناصر النص الشعري. من هذا المنطلق رأت الباحثة والناقدة الدكتورة فايزة بنت أحمد الحربي ان تكون هذه الظاهرة محوراً لكتابها (السرد الحكائي في الشعر العربي المعاصر) والصادر مؤخراً عن النادي الأدبي بالرياض وهو في حقيقته أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه في النقد الأدبي، وقد ذكرت في معرض مقدمتها للكتاب ان من أهم الأسباب التي دفعتها لدراسة هذا المحور واختيارها له: هو الانفتاح الذي حدث بين الأجناس الأدبية بعضها على بعض وتجلي التراث الحكائي وحضوره في الشعر العربي المعاصر، إضافة إلى ان النص الشعري (الحكائي) يتميز بأنه نص (جمعي/جماهيري) وذلك للوصول إلى أكثر عدد من المتلقين، إلى جانب عدم وجود دراسات متخصصة عن القصيدة الحكائية، وقد ارتأت المؤلفة في هذا الكتاب ان تقدم مقاربة بين النص المرجعي للموروث الحكائي وقصيدة الحكاية المعاصرة، مع دراسة للحكاية المؤلفة مستمدة النصوص من النصوص الشعرية إلى جانب أنها ستحتاج العودة أيضاً إلى المصادر القصصية القديمة. الدكتورة الحربي استطاعت ان تبحث لدى الشعراء العرب المعاصرين ومن نحا نحو الدراما والسرد في إنتاجه الأدبي مثل: أمل دنقل وأحمد حجازي وغازي القصيبي وحسن قرشي ومسافر وبدر السياب والعواد وفدوى طوقان وأسامة عبدالرحمن ومحمد علي شمس الدين وحسب الشيخ جعفر وعبدالوهاب البياتي وسعدي يوسف وعبدالعزيز المقالح ومحمد الفيتوري ومحمود درويش وسميح القاسم وأحمد دحبور وإبراهيم نصر الله وحيدر محمود وخليل حاوي وعبد عبدوي وعبدالمنعم عواد يوسف. وقد صدرت الكتاب بتمهيد عن المدلول اللغوي والاصطلاحي للحكايا وكذلك تناولت البناء السردي للحكايا بدءاً من المدلول اللغوي والاصطلاحي للسرد ومروراً بالتداخل بين السرد والحكاية. أما ما انطوى عليه الكتاب الذي جاء في ستة فصول؛ فهو عن قصيدة الحكاية التاريخية أي التي اعتمدت الأحداث التاريخية وشخصياتها المنجزة لها وكذلك قصيدة الحكاية الأسطورية وتمثيلها في الشعر المعاصر كالرمز الأسطوري (سربروس) وأيضاً قصيدة الحكاية الخرافية مثل خرافة الحيوان في قصيدة الحكاية وأيضاً كليلة ودمنة، ومن القصائد الحكائية أيضاً قصيدة حكاية السيرة الشعبية وتجلت في رموز معروفة كسيف بن ذي يزن وحرب البسوس وشهريار وشهرزاد والسندباد، كما لمت المؤلفة بقصيدة حكاية الواقع المعاش وهو فصل يبرز علاقة الشاعر بواقعه الاجتماعي وانتهى بالدكتورة فايزة الحربي المطاف في هذا الكتاب إلى تقنيات السرد وأساليب البناء في قصيدة السرد الحكائي، ولم تنس المؤلفة في خاتمة كتابها ان تعرض لأهم نتائج هذه الدراسة. يذكر ان الكتاب وقفت فيه المؤفة على أكثر من (250) مصدراً ومرجعاً بين كتب ودواوين ورسائل جامعية ودوريات ثقافية ومواقع إلكترونية.