عندما تصدر الوقاحة من سياسي يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة إسرائيل سعياً منه لتوضيح منهجه السياسي على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة فهو في أفضل الأحوال لا يمثل إلا نفسه ورفاقه في حزبه، وهو بكل بساطة ليس إلا إنساناً وقحاً. وفي الدول المحترمة لا يخطر على بال أحد ان يتحدث وزير أمام حشد عالمي بخطاب سياسي مهم والذي يُفترض أن يعرض سياسة الحكومة التي يتبعها دون تنسيق مسبق والموافقة على محتواه، من قبل رئيس الحكومة وبقية أعضاء الحكومة على خطوطه العامة على الأقل. كما أن استخفاف ليبرمان واستهزائه برئيس الحكومة وبمسؤوليته كوزير في الحكومة الأسبوع الماضي فاقت الأضرار السياسية التي تسبب بها لإسرائيل وصورتها أمام العالم. ليبرمان أظهر رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك وحكومة إسرائيل بالكامل كمن يذر الرماد في العيون، إن لم يكونوا كذابين من الأساس. وانهم لا يقولون الحقيقة أبداً عندما يصرحون بأنه يمكن التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين خلال عام واحد، وانهم لن يدخروا جهداً لتحقيق ذلك عبر المفاوضات المباشرة مع محمود عباس. ليبرمان وزير خارجية إسرائيل أعلن أمام العالم بأن أقصى ما يمكن تحقيقه هو اتفاقية مرحلية طويلة الأمد وهذا يعني ان ما قاله نتنياهو وباراك للرئيس الأميركي أوباما ولسائر زعماء العالم ليس إلا كلاماً فارغاً. لقد تسبب ليبرمان في تشويه صورة إسرائيل، الدولة الديمقراطية المحكومة بالنظام، عندما قال في الأممالمتحدة انه يرى ضرورة أن تنفصل إسرائيل عن جزء من مواطنيها العرب عبر صفقة «لتبادل الأراضي والناس» ولا يغير شيئاً ما إذا كان هذا الاقتراح نابعاً من دراسة مستفيضة للمستوى السياسي في تل أبيب، أو أن ذهن ليبرمان المتقد أوصله لهذه الفكرة، إن مجرد طرح وزير في الحكومة لفكرة كهذه أمام منتدى عالمي، يمكن ان يحولها إلى سلاح فتاك بيد معسكر الساعين لنزع الشرعية عن إسرائيل. كذلك سيكون باستطاعة الكثير تشبيه خطاب ليبرمان بخطابات غيره من الذين ألقوا هذيانهم على ذات المنبر مثل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز. صحيح أن ليبرمان لم يدعُ لمحو دولة عضو في الأممالمتحدة من الخارطة كما يفعل الرئيس الايراني، لكن من يريد أن يزاود على إسرائيل فلن يجد أفضل من خطابه لاستخدامه ضدها. إن اقتراح تبادل الأراضي والسكان على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بدا نسخة ملطفة من خطاب وتوجه أحمدي نجاد. كذلك قدم ليبرمان على طبق من ذهب انتصاراً دبلوماسياً وإعلامياً ل(أبومازن). فما قاله ليبرمان في الأممالمتحدة يدعم مزاعم الرئيس الفلسطيني عندما شكك في نوايا الإسرائيليين حين تحدثوا عن دولتين لشعبين، وقال أبومازن إن هدف الإسرائيليين الحقيقي هو التوصل إلى اتفاقية مرحلية جديدة تثبت الوضع القائم مع تغييرات طفيفة على الأرض معظمها لصالح إسرائيل. إن خطاب وزير الخارجية ليبرمان يضفي صدقية لمطالبة (أبومازن) بتجميد البناء تماماً في المستوطنات، كدليل على نية نتنياهو بأنه مستعد للتوصل إلى اتفاق واعطاء تنازلات مؤلمة من أجل تحقيق السلام. وهذا ليس كل شيء فعندما تستأنف المفاوضات المباشرة يستطيع (أبومازن) الزعم في كل لحظة تتراجع فيها فرصة التوصل للسلام بأن حكومة إسرائيل التي يشغل منصب وزير الخارجية فيها ليبرمان، ليست مستعدة فعلاً لإقامة دولة فلسطينية، وهي تسعى لتنفيذ خطة ليبرمان. وهذا سيعطي مبرراً كافياً له وللدول العربية وكذلك البيت الأبيض بضرورة فرض حل على إسرائيل. من الصعب معرفة السبب الذي دفع ليبرمان لفعلته الوقحة والبعيدة عن المسؤولية. إن وزير الخارجية ليس غبياً ، وبالتأكيد كان يُدرك آثار خطابه. ولهذا فان اقرب سبب لفعلته هذه هو رغبته الايديولوجية في تدمير المفاوضات مع الفلسطينيين ، وتوقه السياسي في إظهار نفسه على أنه الزعيم الحقيقي لليمين الاسرائيلي. ولكن حتى هذه اللحظة فإن المتضرر الاساسي من هذه التصريحات هو رئيس الحكومة نتنياهو. كان بإمكان رئيس الحكومة تقليص أضرار خطاب ليبرمان في الاممالمتحدة ، وذلك عبر إعلانه فور انتهاء خطاب ليبرمان تصريحاً واضحاً وشديد اللهجة يؤكد فيه أن وزير الخارجية لا يمثل حكومة اسرائيل وقراراتها فيما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين ، وأنه ينوي توبيخ الوزير ولفت نظره الى خطورة حديثه. غير أن ردة فعل رئيس الحكومة حين قال ان ليبرمان لم يُنسّق معه قبل وقوفه على منصة الجمعية العامة للامم المتحدة ، وأنه هو - على حد قوله - المسؤول عن إدارة المفاوضات، ضعيفة وضبابية ، وتعطي انطباعاً بأن هناك فعلاً من يؤيد توجه ليبرمان. ولكن حتى لو أصدر نتنياهو بياناً صارماً فإن هذا لا يُزيل المشكلة الناجمة عن تراكم الاضرار التي لحقت باسرائيل وبه هو شخصياً ، والمتمثلة ببقاء ليبرمان في منصب وزير الخارجية. وهذه الاضرار تدعم مطالب الجمهور الاسرائيلي بضرورة إبعاد ليبرمان عن وزارة الخارجية أو على الاقل نقله لشغل منصب آخر. والآن في الوقت الذي تتزايد عزلة اسرائيل بشكل خطير ما يؤثر على أمنها وقدرتها على مواجهة التهديد الايراني ، لا تستطيع السماح لنفسها الاحتفاظ بوزير خارجية لا يتحلى بأي قدر من المسؤولية. لذلك فإنه يتوجب على نتنياهو تنحية ليبرمان عن منصبه ، كما فعل شارون قبل سنوات حين أبعد الوزراء الذين عارضوا سياسته ، وكما فعل نتنياهو نفسه في فترة حكمه السابق في التسعينيات عندما أبعد الوزير يتسحاق مردخاي. إلا أنه يبدو أن نتنياهو - كما هو واضح- لا يزال متمسكاً بليبرمان كشريك في ائتلافه الحكومي ، ولهذا يعطيه الغطاء اللازم كلما أخطأ ، وذلك لخوفه من ليفني وحزبها «كاديما». وهذا يوضح أن اعتبار البقاء الايديولوجي أهم عند نتنياهو من مصالح الدولة السياسية. رون بن يشاي «يديعوت أحرونوت»