في رد غير مباشر على تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان في الأممالمتحدة أول من أمس التي قال فيها إن حلاً انتقالياً طويل الأمد يمتد على عقود ولا يقوم على مبدأ الأرض في مقابل السلام بل على أساس تبادل أراض وسكان هو الحل الوحيد المتاح، أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو التزامه وحكومته «مواصلة المحاولات للتوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين كونها مهمة تاريخية من الدرجة الأولى». و كرر ليبرمان موقفه مدعياً أن غالبية الإسرائيليين تؤيده، فيما تساءل معلقون بارزون عن حقيقة موقف نتانياهو من برنامج ليبرمان السياسي المتطرف، ملمحين إلى أن رئيس الحكومة أبدى أخيراً اهتماماً بهذا البرنامج وبفرص تطبيقه. وقال نتانياهو لدى استقباله في منزله أمس في قيساريا شمال تل أبيب الموفد الأميركي الخاص جورج ميتشل إن «الشكوك والعثرات في الطريق إلى السلام معروفة للجميع، لكن ثمة طريقاً واحدة فقط تؤدي إلى عدم التوصل إلى السلام، وذلك في حال لم نحاول التوصل إليه، لكنني ملتزم ذلك والحكومة ملتزمة أيضاً». ويأتي وصول ميتشل إلى تل أبيب ورام الله في خضم المحاولات الأميركية للتوصل إلى صيغة مقبولة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في شأن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل الأنباء عن «رزمة أميركية» تشمل ضمانات أمنية للإسرائيليين وللفلسطينيين في حال واصلوا المفاوضات، ووسط تقارير صحافية إسرائيلية تؤكد أن نتانياهو يرفض المقترح الأميركي، فيما تنقل أوساطه القريبة عنه «اعترافه» بأن قرار تعليق البناء في المستوطنات لعشرة أشهر كان خاطئاً. وأضافت أن أقصى ما يمكن أن يقبل به نتانياهو هو مواصلة التجميد في المستوطنات النائية في مقابل استئناف البناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى، وبناء ألفي وحدة سكنية نالت التصديق الحكومي المطلوب. وقال نتانياهو: «ملتزمون التوصل إلى اتفاق سلام يضمن الأمن والمصالح الحيوية لدولة إسرائيل ... ملتزمون الذهاب في هذا المسار ... وأرجو أن تستمر المحادثات الطيبة التي أجريتها مع الرئيس (محمود عباس) أبو مازن في شكل متواصل من أجل التوصل إلى اتفاق إطار خلال عام». واوضح ان تصريحات وزير خارجيته لا تمثل موقفه وأن «السياسة التي أقودها هي سياسة دولة إسرائيل، وهي محاولة التقدم في مسار السلام والأمن». وقال ميتشل إن الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون طلبا منه أن يحمل رسالة إلى الشعب في إسرائيل وإلى الشعب الفلسطيني وقادتهما تؤكد مواصلة التزامهما للتوصل إلى سلام شامل في الشرق الأوسط، وبين كل شعوب المنطقة. وأضاف أنهما ملتزمان تحقيق السلام في الشرق الأوسط.، مطالباً جميع الأطراف بإبداء النية الحسنة وإجراء مفاوضات حقيقية. ليبرمان: أبلغت العالم بالحقيقة المرّة في غضون ذلك، أبدى ليبرمان استغرابه من الضجة التي أثارتها أقواله في الأممالمتحدة، وقال في مقابلات لوسائل الإعلام العبرية إن «هذه الأقوال مشروعة، ويجب ألا تثير أي انفعال»، مضيفاً أن المواقف التي طرحها هي مواقف معروفة لحزبه «وهي مشروعة بناء للعبر التي استخلصناها من المفاوضات في السنوات ال 17 الماضية». وتابع: «لا أتراجع عما قلت، وأقوالي لم تلحق أي أذى سياسي أو ائتلافي ... ما قلته تؤمن به غالبية الإسرائيليين». وزاد إنه أراد ابلاغ العالم بأنه فقط من شأن «خطة سياسية تأخذ في الاعتبار الواقع الديموغرافي الناشئ، أن تحقق سلاماً يصمد فترة طويلة، لا سلاماً هشاً وموقتاً». ويعني ليبرمان في قوله أن تضم إسرائيل إلى تخومها المستوطنات التي أقامتها في العقود الأربعة الأخيرة في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967 مع نحو نصف مليون مستوطن، في مقابل التخلص من مناطق عربية في وادي عارة مع نصف مليون فلسطيني، ما سيؤدي إلى ضمان غالبية يهودية مطلقة في إسرائيل بنسبة تتعدى 85 في المئة. وتابع: «عرضت في الأممالمتحدة أفكاراً تؤمن بها غالبية الإسرائيليين، منطلقاً من أنه يجدر قول الحقيقة حتى إن كانت مرّة»، مضيفاً أن حديثه في جوهره لا يختلف عما قاله رئيس الحكومة في خطابه في جامعة «بار ايلان» قبل أكثر من عام. مطالبة نتانياهو بإقالة ليبرمان ودعا الوزير من حزب «العمل» الوسطي الشريك في الائتلاف الحكومي افيشاي برافرمان رئيس الحكومة إلى تنحية وزير خارجيته بداعي أنه «يسخن الأجواء ويخرّب عملية السلام». ورد الوزير عوزي لنداو من حزب ليبرمان بالقول إنه ينبغي على رئيس الحكومة استبدال حزب «العمل» بحزب «كديما». واتهم نواب في «كديما» نتانياهو بأنه «يخاف وزير خارجيته»، منتقدين اللهجة المخففة التي اعتمدها البيان الصادر عن مكتب رئيس الحكومة الذي جاء فيه أن موقف ليبرمان لا يعبر عن الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية. وكان لافتاً أن الانتقادات وجهت تحديداً إلى تصريح ليبرمان بأن السلام مع الفلسطينيين صعب المنال، ولم يتنصل أي من المسؤولين من تصريحاته عن تبادل الأراضي المأهولة. وذكرت صحيفة «هآرتس» أن ديبلوماسيين غربيين موالين لإسرائيل انتقدوا بشدة تصريحات ليبرمان بقولهم إنه «مع تصريحات سلبية كهذه، فإن إسرائيل لا تحتاج إلى منتقدين وأعداء ... ليبرمان قام بالمهمة بنفسه». وأشارت إلى أن خطورة أقوال ليبرمان تكمن أساساً في أنها المرة الأولى التي يطرحها على أرفع منبر دولي في خطاب كان مفروضاً أن يعكس موقف دولة إسرائيل. رئيس حكومة ضعيف أم متماثل مع ليبرمان؟ وانتقد معلقون بارزون رد فعل نتانياهو «المتملق» على «الصفعة التي وجهها له ليبرمان أمام العالم كله»، واتفقوا على أن ليبرمان «نسف عملياً كل محاولات نتانياهو عابرة القارات» ليثبت للولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي أنه جاد في مسعاه وأن نيته صافية للتوصل إلى اتفاق. وكتب أحدهم: «كأن ليبرمان قال للعالم: لا تصدقوا الأوهام التي يبثها نتانياهو عن اتفاق سلام خلال عام ... هذا هراء». وأشاروا إلى أنه «في دولة طبيعية سويّة النظام، مع رئيس حكومة واثق من نفسه» كان مفروضاً إقالة ليبرمان فوراً، لكنهم استبعدوا أن تكون لدى نتانياهو الجرأة على الإقدام على خطوة كهذه». وكتب معلق الشؤون الحزبية في «هآرتس» يوسي فرطر ان ليبرمان استغل المنبر المتاح ليقرأ برنامج حزبه كأنه في اجتماع انتخابي في بلدة إسرائيلية». وأضاف انه لم يحصل أن اختار وزير خارجية معقل الديبلوماسية العالمية منبراً ليحقّر رئيس حكومته كما فعل ليبرمان لنتانياهو «الذي يشكك العالم في نياته أصلاً». وأضاف أن هذا السلوك عرّى نتانياهو وأظهره أمام العالم «رئيس حكومة ضعيفاً جداً، أو ليس جديراً بالثقة، أو غير جاد، أو كل هذه الصفات مجتمعة». «حذاء في وجه نتانياهو» وكتب المعلق السياسي في صحيفة «معاريف» بن كسبيت إن ما فعله ليبرمان كان أشبه بما فعله الزعيم السوفياتي السابق نيكيتا خروتشوف في الأممالمتحدة حين خلع حذاءه وضرب به المنبر، «لكن بدلاً من أن يضرب المنبر ضرب ليبرمان بحذائه وجه رئيس حكومتنا». وأضاف الكاتب مستدركاً أنه «ربما كان ليبرمان على حق» في إطلاق تصريحاته، «ففي الفترة الأخيرة أبدى نتانياهو اهتماماً بخطة ليبرمان وبفرص تطبيقها، ومن المحتمل أن يكون مؤيداً لها. المشكلة هي أنه لا يعترف بذلك». واعتبر الكاتب نفسه الخطة «جيدة ومنطقية ... لكن المشكلة أنها لا تحظى حتى الآن بالتأييد في أي مكان باستثناء إسرائيل بيتنا». وتابع أن كان على ليبرمان عندما يتحدث أمام الأممالمتحدة، أن يتحدث باسم دولة إسرائيل «لكنه لم يفعل ذلك، وما فعله هو أن مزق القناع عن وجه نتانياهو وجسّد أمام العالم إلى أي مدى يمكن أن تكون إسرائيل دولة بشعة، كما أنه أثار من جديد السؤال أين هو رب البيت ومن الذي يدير الأمور هنا». ورأى المعلق السياسي في «هآرتس» آلوف بن في أقوال ليبرمان تأكيداً على أن الحكومة الإسرائيلية ليست سوى «سيرك يديره شخص ضعيف ليس واثقاً من نفسه، وليست حكومة لها سياستها ومسؤولياتها». وأضاف أن وزير الخارجية «لمّح في أقواله إلى أن إلحاح نتانياهو بأن يعترف الفلسطينيون بدولة إسرائيل دولة يهودية ليس سوى فقط قناع يراد منه تبرير ترحيل المواطنين العرب من تخومها». هل ينفرط عقد الائتلاف؟ ورأى المعلق أن تصريحات ليبرمان أوضحت لنتانياهو ان الشراكة السياسية بينهما بلغت نهايتها، «إذ أن ليبرمان لن يتيح لرئيس الحكومة القيام بعملية سياسية يرى أن لا لزوم لها بل مضرة». وأضاف: «صحيح أن تملق نتانياهو لليبرمان أطال فترة شراكة الأخير في الحكومة، لكن إذا كان نتانياهو معنياً حقاً في إدارة مفاوضات مع عباس، فإنه سيضطر إلى استبدال ليبرمان ب (زعيمة كديما تسيبي) ليفني ... رئيس الحكومة يقترب من النقطة التي سيضطر فيها إلى ملاءمة ائتلافه الحكومي مع السياسة التي يقودها، لكن إلى أن يحصل ذلك سيتواصل عرض السيرك».