كم كانت حفلة جميلة امتدت لساعات متأخرة من الليل، رأينا بها الأحباب من بعيد وقريب، تخللها الحديث الشيق بين النساء المقيمات بالمدينة والنساء القادمات من خارجها، وبعض منهن قد ظفرت بعروس لابنها، أو وطدت صداقتها بأخرى، كما تخللها توزيع أنواع من الحلوى والمعجنات اللذيذة شعبية أو حديثة، فنحن مجتمع النساء نهتم بالدرجة الأولى عند حضور فرح بطريقة التقديم ومحتواه، وإلا فالويل كل الويل لمن لم يكن استقبالها لضيوفها غير لائق، أو ما تقدمه متواضعا من حيث الكم، أو الجودة، حيث ستتعرض لهجمة لاذعة من النقد الصريح والمبالغ به، بمجرد انتهاء الحفل وتبادل الآراء في الاجتماعات السرية لبعض المجموعات، خصوصا مع تقدم وسائل التقنية وتشريف الفاضل بلاك بيري، فلم يعد هناك ضرورة للزيارة أو لتفريغ الخط الهاتفي، أو لتفرغ الإنسان نفسه حيث هناك إمكانية للحديث الكتابي بشفافية وبشبكة خطوط متشابكة لا تتشابك حروفها كما كان يحدث في حرب البسوس، إلا إن الفرق زمنيا، فما تم إنجازه في أربعين عاماً سابقاً صار متاحًا بدقائق معدودة، والفرق الآخر أن المعركة لن تترك غبارا بل قهقهات يحدثها تكرار حرف الهاء المبجل، فهو الأكثر استخداما عند ازدحام المشاعر، وعدم القدرة على التعبير بصوت عال. وكي لا أتعرض لنقد لاذع أذكر من جديد بأنني قلت «بعضاً» من المجموعات النسائية وليس الكل، ومن توجه لي النقد فهي تثبت على نفسها التهمة بأنها المعنية بالأمر، هذا كله قارئي الكريم مقدمة أو مقبلات لما هو آت، ولا يتهمني بعض بالإطالة فهي تمهيد للب الموضوع الذي أود طرحه هنا. والآن وبعد ما تناولناه مما لذ وطاب من مقبلات فليسمح لي الجميع رجالاً وإناثاً بالتفضل لقاعة الطعام ولا يعتذر بعضكم بعدم الشهية، أو اتباع حمية قاسية، فلا أمل لأحد بتناول حبة أرز، أو قطعة فاكهة، وقبل توجيه اللائمة لي بالبخل أو السفاهة والاستخفاف بالعقول، اطلقوا العنان لأنظاركم ودعوها تهبط على أواني التقديم الفاخرة، ولا يروعكم كونها خاوية إلا من بقايا أرغفة جافة كانت تغطي المشويات واللحوم برقة، أترون عجبا؟ بالطبع لا فقد انتهى العشاء وغادر الجميع صالة الطعام ولا عجب من تفريغ الأواني، والآن سلطوا أنظاركم بلا رحمة على الموائد المستديرة، وانظروا كيف ملئت الصحون بما لذ وطاب من الأطعمة، وكأن يداً لم تمسها، قطع اللحم بصحن، ومعكرونة الباشمل بصحن، والأكلات الشعبية بصحن، والسلطات بصحن، عدا الفواكه والحلويات المتناثرة هنا وهناك. لقد شبعت الموائد بينما هناك بطون لم تتذوق من العشاء سوى الرائحة التي زادت الطين بلة، ولكن الجوع أرحم من تخيل كيفية تنقية وجمع تلك الأطعمة التي فاضت بها الأطباق وافترشت أرضيات السفرة. فأي نفس ستقبلها وأي شهية ستحركها. وبعد ليتنا قبل وضع نظام البوفيه فهمنا إتيكيت البوفيه، وطريقة تناول الطعام المقدم عن طريق البوفيه المفتوح، حيث ينص بأنك يجب أن تخدم نفسك، ويشترط عليك تفريغ صحنك من طعام اخترته لنفسك، لا لغيرك.. وبالنهاية ما يزيد غيظي أن النقد اللاذع المعتاد لم يتناول تلك الظاهرة، فهل السبب أنها صارت مألوفة؟؟.