(إن التضامن الطبيعي بين الناس يجب أن يغلب على تدخل الدولة - وزير فرنسا الأول إدوارد بلادور.. عندما سئل عن مشردي شوارع باريس الذين قضوا من شدة البرد). لا شيء يظهر دواخلنا عارية كما هي.. ويكشفها بلا رتوش كما أيام الفرح.. ومنها اليوم الوطني.. يومنا الوطني الذي يحمل البهجة لقلبك وقلوب أطفالك.. هو ذاته الذي يحمل البؤس والشقاء لآخرين.. لم أشعر بالسلبية كما ذلك اليوم.. الذي وقفت فيه أمام تلك الغرفة المتهالكة المتداعية.. لا أعرف هل كانت عنصرية مني.. أم محاولة من ذاتي للتخفيف عني.. حينما ألقيت تساؤلي البارد على عقلي: (أيعقل أن تكون سعودية)..؟! عجوز في السبعينيات من عمرها.. ليس لها ابن ولا ابنة.. تعيش وحيدة دون ابن أو قريب في منطقة موحشة بحي الناصرية.. جلست تطبخ الماء ولا شيء غير الماء.. مدة خمسة أيام.. علّ المحسن أن يطرق بابها.. لكن.. ما من محسن!.. بؤس يصارع وحدةً وعوزاً.. لم يخطر بعقلي المتسائل.. أن يمر عليّ هذا الموقف.. مع وجود كل هذه الأوقاف لدينا..!! إن الأوقاف بشكلها التقليدي – كما في بحث رائع للدكتور محمد بوجلال - لا يمكن أن تكتسب دوراً بارزاً في العملية التنموية ولا أن تلبي شروط النماء الاقتصادي وكفاية المحتاج.. ما لم نضع أوقافنا على المحك لمواكبة التطورات الجديدة التي تميّز الحياة الاقتصادية المعاصرة وتراعي المحتاجين وتصل إليهم حيثما كانوا.. ففي الوقت الذي تعاني فيه (شيمه) من انقطاع المعونات عنها أياماً.. فإن القطاع الخيري في الغرب - والذي يقوم على سبيل التطوع من قبل المتبرعين وذوي الإحسان والصلاح من أفراد المجتمع – يحقق أرقاماً مذهلة وفق كل المقاييس.. ففي دولة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية فإن الإحصائيات الخاصة ببداية التسعينات من القرن العشرين.. لاحظ بداية التسعينات!.. تشير إلى أن القطاع الخيري يمثّل: - العقارات الوقفية في الولاياتالمتحدة تمثّل ما نسبته 2 % من إجمالي العقارات. - 6,8 % من الناتج المحلي الإجمالي بمداخيل تقدر ب315,9 مليار دولار. - يشغّل أكثر من 9,3 مليون شخص بصفة دائمة أي ما يعادل 6,7 % من مجموع العمالة الأمريكية. - أنفق على الأجور مبلغ 122,20 مليار دولار أو ما يعادل 5,2 % من مجموع أجور الأيدي العاملة الأمريكية. - النسبة الكبيرة من هذه العوائد المحصلة في هذا القطاع أنفقت على الصحة.. التعليم.. الثقافة والفن.. وبعض المشاريع الاجتماعية والمدنية. إن الوقف في أمريكا أخذ شكل المؤسسة المالية الوسيطة التي تسعى إلى التقريب بين جمهور الواقفين من جهة ووحدات العجز من جهة أخرى.. بما يخدم أغراض التنمية الاقتصادية وكذلك طبيعة العلاقة التي تربط بين الواقفين ووحدات العجز. أعتقد ألا عذر لمؤسساتنا الوقفية عن التقصير في حق محتاجي الداخل.. خصوصاً وأن من نعمة الله علينا أن جعل في الوقف القليل من النصوص الشرعية.. في مقابل.. الكثير من الاجتهادات الفقهية ليتشكّل الوقف حسب تفاوت الزمان واختلاف المكان.. متماهياً مع عصره.. من النظارة الفردية إلى العمل المؤسسي.. وإن لم يكن ثمة عذر لهم.. فلا عذر لك أنت أيها القارئ .. فالفرحة في يوم العيد لمّا تعطي منها تزيد.. أليس كذلك..؟!! * قانوني