رحم الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود موحد ومؤسس هذا الكيان الكبير المملكة العربية السعودية، وباني نهضته، وعرّاب مجده. لقد منّ الله على هذا القائد، والزعيم، والمجاهد العربي المسلم، وشّرفه أن حقق على يديه بناء مجد ونهضة الأمة الإسلامية في أعقاب كبواتها المتلاحقة ونكوصها في ظُلامات الجهل، والبعد عن الدين في كثير من أصقاع المعمورة بعد أن تداعت وتهدمت أركان تلك الدول التي أخذت على عاتقها رعاية وقيادة الأمة الإسلامية، حيث كان من أولويات هذا الزعيم المجاهد في إطار جملة أهدافه من توحيد هذا الكيان الكبير في هذه الجزيرة العربية المترامية الأطراف، تحقيق نشر الإسلام على الوجه الصحيح، وتخليصه من شوائب الجهل والانحراف. كما كان من أولويات المؤسس عند بناء مؤسسات دولته العربية الإسلامية الوليدة أن يتم تعزيز المؤسسة الدينية، التي أراد لها أن تكون على نهج الفطرة، وامتداداً لذلك التعاهد بين جده الإمام محمد بن سعود، والشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب؛ لنشر الدين وفق المنهاج الصحيح والسليم، وتعميم تلك الدعوة السلفية الصافية النقية، وليكون القرآن الكريم دستوراً لهذه البلاد وتكون الشريعة الإسلامية منهجاً للحكم ومنطلقاً لحياة العامة والخاصة، واختار على هذه المؤسسة الدينية رجالاً عدولاً، توسم فيهم الكفاية والكفاءة والقدرة وفق وصايا لا يزال يعمل بها حتى هذا اليوم. وقد شهدت المؤسسة الدينية خلال الثمانين عاماً الماضية وحتى هذا اليوم العديد من صور ونماذج التطور والبناء، وفق المكانة والقيمة الاعتبارية والقيادية لهذه البلاد، حيث تم إنشاء العديد من الوزارات والهيئات والمجالس المتعددة المعنية بشؤون القضاء والإفتاء والدعوة والإرشاد والعناية بالمقدسات والمساجد والأوقاف الإسلامية وشؤون الحج والحجاج وطباعة المصحف الشريف والعديد من الأجهزة والقطاعات المساندة لهذه الأجهزة المنضوية تحت تعريف المؤسسة الدينية. وقد كانت هيئة كبار العلماء أولى تلك الخطوط العملية لبناء ثقافة المرجعية الدينية في المملكة، كما كان من أهم التحولات التي شهدتها ساحات المؤسسة الدينية من ذلك التاريخ وحتى اليوم بناء المرجعية العلمية لكافة المنتسبين للمؤسسة الدينية، من خلال القطاعات والمؤسسات التعليمية ومن أهمها إنشاء العديد من الجامعات والكليات والمعاهد المتخصصة والمعنية بالشأن الإسلامي بكافة فروعة، مما حقق نوعاً من المرجعية العلمية لبناء الفكر الإسلامي المطروح أمام طلاب العلوم الدينية ورواده؛ ليكون وفق المرتكز ومنهاج الفطرة السليمة الذي قامت عليه عقيدة هذه البلاد. وجاء أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله– هذا العام إلى سماحة مفتي عام المملكة رئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء ورئيس هيئة كبار العلماء، بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء استمراراً لنهج المؤسس بتوحيد المرجعية في الفتوى، كما تضمن الأمر الملكي التوجيه باختيار من يوجد فيهم الكفاية والأهلية التامة للاضطلاع بمهام الفتوى للإذن لهم بذلك، والذي يمثل تمهيداً يعزز النية لافتتاح مكاتب تابعة لسماحة المفتي في مناطق المملكة، تهدف إلى تنظيم الفتوى وإعادة الاعتبار لها من حيث مكانتها الشرعية. المؤسسة الدينية وفي هذا الإطار قال فضيلة رئيس محاكم منطقة القصيم الشيخ منصور بن مسفر الجوفان إن القطاع الديني والعلمي والشرعي والعدلي حظي بالعناية والاهتمام من الدولة منذ تأسيسها، فبادر الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إلى تحكيم الكتاب والسنة، وبث الدعاة لإزالة الجهل، ونشر الثقافة العلمية والدينية، ووضع أسس بناء الدولة الحديثة، وسار على نهجه أبنائه الملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد –رحمهم الله تعالى– حتى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله–، حيث جعلوا دستور هذه البلاد هو الكتاب والسنة، وهما الحكمان بين الناس فيما اختلفوا فيه، ويرد إليهما كل أمر وخلاف. وقال "د. عبدالعزيز الشاوي" عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم أن الدعوة الإصلاحية التي قامت على أساسها الدولة السعودية، تمثّل الركيزة التي اعتمد عليها الحكم فيها، وأن تلك الدعوة تقوم على أساس إقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، وإصلاح العقيدة وتنقيتها من البدع، وهي بذلك تستمد مبادئها من الإسلام الصحيح، ومن هنا تشكلت أبجديات المؤسسة الدينية في المملكة، هكذا بكل شموخ المؤمن واعتزاز الواثق من عقيدته ومنهجه، كما أكدت المادة الأولى في النظام الأساسي للحكم على أن "المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"، ومن هذا الأصل السامي تمت صياغة جميع مواد النظام لتشكل دستوراً فريداً وخارطة طريق للباحثين عن المجد والازدهار والسعادة والاستقرار لأوطانهم ومواطنيهم، وهذا ما يفسر العناية البالغة والرعاية الكريمة التي أولتها للمؤسسة الدينية، فاستحدثت العديد من الوزارات والهيئات المعنية بالعمل الدعوي والإصلاحي، وعملت على تطويرها وتوفير كل ما يعينها على أداء مهامها وإيصال رسالتها السامية في المجتمع، ومن أمثلة الاهتمامات العديدة وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة الحج، ووزارة العدل، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الإفتاء والإرشاد وأضاف أنه من منطلق حرص القيادة الرشيدة على نشر العلم وتشجيعا للعلماء على القيام بواجبهم في تبصير الناس بأمور دينهم وهداية الحائرين والإجابة عن تساؤلاتهم وإرشادهم ودعوتهم لسبيل الحق والصلاح، تم تأسيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والتي تم تغيير مسماها ليصبح حالياً (الرئاسة العامة لإدارات للبحوث العلمية والإفتاء) وتتبع لها العديد من اللجان والهيئات ومنها اللجنة الدائم للإفتاء، وهيئة كبار العلماء المعنية بالبت فيما يستجد من قضايا ومشكلات دينية طارئة، وفي سياق تطوير المؤسسة الدينية يأتي أمر خادم الحرمين الشريفين "الحكيم" بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء أو من يأذن لهم الملك -حفظه الله-، ولاشك أن هذا القرار يظهر بجلاء حرص ولي الأمر على صون الفتوى وحفظها وتنظيمها، مما يحقق اجتماع أمر الدين وترك الاختلاف، ورد التجاوزات التي قد لا تراعي مصلحة الأمة العامة ولا تخدم أهدافها.