على الرغم من وجود كثير من المجالات الاستثمارية التي فتحت أمام المرأة من أجل الأخذ بيدها نحو العمل والتقليل من معدل البطالة النسائية التي أصبحت موجودة مع وجود المؤهلات العلمية وربما الدورات والخبرات إلا أنه من الملاحظ أنه حتى الآن لم يفعل المجال الصناعي للمرأة السعودية كما يجب وكأن هناك تخوف من فتح المصانع على مصارعيها من أجل دخول المرأة فيها والعمل على تفعيل هذا المجال الذي من المؤكد أنه المجال الذي سيعول عليه المجتمع كثيرا في «العمل» وفي مقابل قلة الفرص الوظيفية في قطاع المصانع للنساء نجد أن هناك كثيرا من المصانع التي شغلت ونجحت بفعل أيد نسائية في الدول العربية والخليجية، حتى إن بعض سيدات الأعمال أكدن نجاح سيدات سعوديات فتحن مصانع خارج البلاد، وحققن كثيرا في تلك المصانع من دون أن يفكرن أن يخضن هذه التجربة محليا.. د. توفيق السويلم: تشغيل النساء في المصانع أمر مستبعد ولو حدث لاضطررنا لاستقدام النساء بدل الذكور لتشغيل 850 ألف منشأة فما السبب خلف تراجع فكرة المصانع التي تحوي كوادر نسائية سعودية؟ ولماذا لم يفعل هذا المجال بالشكل الحقيقي والفاعل حتى الآن على الرغم من وجود فتيات قادرات على خوض هذه التجربة والمراهنة على النجاح فيها؟ تقول "سامية المهنا": خضت تجربة الخياطة التي تنطلق من المنزل؛ لأن أن هذه الهواية لم تعد موجودة ولم أستطع الحفاظ عليها وتنميتها على الرغم من أنني خريجة التدبير المنزلي والخياطة، فتجربة الخياطة النسائية المنطلقة من المنزل لم يعد كثير من النساء يؤمن بها خاصة مع كثرة الخياطين الأجانب من الرجال الذين أصبحوا يستحوذون على السوق في مجال الخياطة النسائية، وكم كنت أتمنى فيما لو كان هناك مصنع لمنتجات الألبسة حتى أعمل فيه، وأستفيد من موهبة الخياطة التي كنت أمتلكها، والتي توقفت عنها منذ سنوات حتى إنها بدأت تتلاشى لدي وتضيع أدواتها، وحينما فكرت أن ألتحق ببعض الدورات التي تؤهلني للدخول في المجال الصناعي بشكل جيد ومدروس نصحني كثيرات ممن حولي من الأصدقاء والأقارب أن أبحث عن دورات تخص الجانب الالكتروني في الحاسب الآلي أو السكرتارية والمحاسبة بدل تبديد الوقت في دورات لن أستفيد منها بسبب قلة المصانع التي تشغل العناصر النسائية، تزامنا مع وجود الصالونات النسائية التي تستغل موهبة الفتاة السعودية في الخياطة، أو التصميم فتعطيها القدر القليل من الأجر، نظير عمل كثير، كما أنه لا يوجد مراكز تبحث عن المجال الجيد والنادر الذي يحتاج إليه الوطن من أجل تعليمه للراغبات ففضلت الانطلاق للبحث عن وظيفة إدارية في إحدى المدارس على أن أنتظر حلم لن يتحقق أو ربما يتأخر كثيرا. فؤاد الفاخري: مرحلة التصنيع لابد أن تكون بأيد نسائية لينعكس ذلك على السوق والمجمعات التجارية بشكل إيجابي وتتفق معها "العنود فيصل" التي ترى أن الفتاة يصعب عليها العمل في المصانع خاصة مع وجود النظرة القاصرة الاجتماعية لها، فالمجتمع لا يمكن أن يتقبل فكرة دخول المرأة للعمل في مصانع قد تضم عمل الرجل إلى جانبها خاصة أن تلك المصانع ستضم المكائن والأجهزة والمستودعات التي تحتاج إلى وجود الرجل بسبب قدراته البدنية التي حباها الله بها التي لا تستطيع المرأة أن تجاريه في العمل الصناعي، وعرجت "العنود" عن تجربة عمل المرأة في المحلات التجارية والأسواق التي وجدت معارضة كبيرة من قبل المجتمع حتى إن هناك كثيرا من الموظفات اللاتي خضن العمل كسكيورتي في محل تجاري مازلن يجدن الانتقاد والنظرة الدونية لهن، وذلك ما تتوقع أن يكون عليه الحال فيما يخص المصانع، فأي مجال يتاح للمرأة فيه العمل بعيدا عن التعليم، أو المجال النسائي، فإنه منتقد ومنبوذ من المجتمع، حتى إن كان سيحل كثيرا من أزمة البطالة التي أصبحت تهدد معيشة الناس، متمنية "العنود" فيما لو أتيح المجال لفتح المصانع المحلية التي تستوعب قدرا كبيرا من الأيدي النسائية حيث ستكون تجربة فريدة وناجحة لأن المرأة تحب الانطلاق في العمل والتميز فيه. نجاح السندي: وجود المعوقات أدى إلى هروب بعض سيدات الأعمال وفتح المصانع خارج البلد ويؤكد مدير عام دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية الدكتور توفيق عبدالعزيز السويلم أن هناك كثيرا من الموروثات الثقافية والاجتماعية السابقة التي من الصعب تغييرها ليس فقط في محيط مجتمعاتنا بل أن ذلك الموروث موجود في كثير من دول العالم التي لا تعمل نساؤها في قطاع الصناعة فعادة الفرص المتاحة في قطاع الخدمات والقطاع التجاري وهي المجالات الخصبة والأعمال اللجانية التي تتمثل في العمل المكتبي وليس تحت الأجهزة والمكائن والمستودعات، لذلك فإن هناك العديد من الأسباب التي قد تحول دون عمل المرأة في المصانع، ويبقى ذلك بعيدا عن الهدف، فالهدف دائما الذي لابد أن يشغلنا يتمثل في إخراجهم في قطاع الخدمات والتجارة، مشيرا إلى أن الأسباب التي تعيق من دخول المرأة في المجال الصناعي كثيرة وتبقى التوعية مكلفة وربما تهيئة مواردنا البشرية متعب ولكن عدم تهيئتهم أتعب ويعتبر زيادة الوعي معيار لتقدم المجتمع السعودي، ولذلك إذا استطعنا أن ننمي روح حب العمل فذلك أمر جيد حيث لايزال كثير من المفاهيم الاجتماعية لدينا قاصرة التي تشكل عائقا كبيرا في حين أن في الجانب التجاري تصل التعاملات فيها إلى 142 دولة في العالم وتلك الدول تمثل هجوما كبيرا على الدولة بمنتجاتها وشركاتها وأعمالها وبالتالي يصبح لدينا أكثر من 120 جنسية في السعودية التي تمثل رقم "11" من 192 دولة في العالم مستهلكة، وبالرغم من أننا دولة مستهلكة إلا أن مجتمعاتنا ومواردنا البشرية ليس لديها روح حب العمل والإنكباب على العمل، كما يجب، فقيم العمل لازالت رقابتها أقل من المطلوب، موضحا أن هناك بعض التجارب في المملكة لتشغيل المرأة في المصانع، إلا أنه من الصعب بناء الإحصائيات عليها، فالمرأة لدينا لم تخلق لترتدي البنطال الجنز وتعمل بين المخازن والمستودعات والآلات، وحتى إن عملت المرأة في مخزن أو فرن يعمل أوتوماتكيا فإنه لابد من الحاجة إلى أثنتين أو أكثر، بينما في قطاع الخدمات والأعمال التجارية لدينا أكثر من ثماني مائة ألف سجل تجاري، وهذه أمور مساعدة أكثر من المصانع التي لا يتجاوز عددها أكثر من ستة آلاف مصنع تقريبا، تتنوع بين الورش والمصانع مستبعدا السويلم أن يكون هناك واقع قريب يحمل مصانع تشغل النساء فيوجد 850 ألف منشأة تجارية ولو شغلت كل تلك المنشآت 10 من النساء فإننا نحتاج إلى 8 ملايين امرأة لتشغيل تلك المنشآت وربما اضطررنا إلى استقدام النساء العاملات بدل الذكور، وهذا أمر غير منطقي وغير وارد. نادية الدوسري: المصانع شركات ربحية لها ميزانية محددة.. وصعب عزل الرجال عن النساء ويرى المستثمر العقاري ومدير مجمع الراشد فؤاد الفاخري أنه من الضروري فتح المجال أمام المرأة لاقتحام المصانع من أجل العمل بها لأنها ستكون تجربة ناجحة، وذلك ليس فقط على المنتجات الصناعية الغذائية، بل لابد أن تعمم تلك التجربة على أنواع تصنيع الثياب خاصة الداخلية منها، وتولي مسئولية بيعها في الأسواق، وستفتح المجال أمام النساء لفرص وظيفية فمرحلة التصنيع من الممكن أن تكون من قبل سعوديات متدربات على الصناعة إلا أن بيع الثياب الداخلية لابد أن تكون من أيد نسائية، ولذلك لابد من تعزيز مفهوم الدورات التي تخص المجال الصناعي من أجل تأهيل الفتاة بالشكل الجيد خاصة أن وجود مثل تلك المصانع التي تعمل فيها نساء سعوديات سينعكس على السوق، وعلى المجمعات التجارية بشكل جيد فالمستثمرون سيشعرون بالفخر لأن هذا المنتج المعروض في المحلات والأسواق هو منتج وطني ومصنع من قبل "سعوديات"، وسيقبل عليها شرائح المجتمع المختلفة خاصة الناس المزودين بالوعي وأهمية دعم المنتج المحلي. مشيرا "الفاخري إلى أن ما يحد من وجود مصانع تشغل نساء ربما يعود إلى وجود كثير من العقبات المتعلقة بوضع المرأة الاجتماعي متحدثا عن نجاح تجربة السوق النسائي الموجود في مجمع الراشد والتي أثبتت قدرة المرأة على النجاح في أي مجال تعمل فيه فالسوق مدار بالكامل من قبل نساء وهو سوق مغلق يحتوي على المقاهي والعناية بالبشرة ومحلات للأجهزة والنظارات ومحلات بيع ملابس الأطفال والنساء ويشمل هذا السوق النسائي أكثر من 70 موظفة أثبتن نجاحهن في التسويق والبيع والشراء والإدارة وهذا يدل على قدرة المرأة على ان تنجح في أي قطاع ولاسيما القطاع الصناعي . فيما تعلق سيدة الأعمال نجاح السندي أسباب عدم وجود مصانع تشغل كوادر نسائية إلى قلة التدريب والتعليم وعدم وجود المعاهد التي تخرج فتيات مؤهلات ليلتحلقن في عمل المصانع بشكل مدروس ودقيق مستشهدة في حديثها عن تجربة مصنع الذهب الذي فتح المجال لدورات نسائية يدور مضمونها في مشغولات الذهب فالفتاة بحاجة إلى مجال تدرس من خلاله الأدوات الضرورية للدخول في العمل الصناعي ثم فتح المجال أمامها، موضحة "السندي" أن هناك كثيرا من المعوقات التي تمنع سيدات الأعمال من فتح المصانع التي تشغل الكوادر النسائية تلك المعوقات تقل في دول الخليج الأخرى وربما ذلك ما دفع كثيرات إلى اقتصار أعمالهن على المشاغل النسائية، وربما فتحت مصنعا ولكنه خارج البلد لسهولة الأنظمة المعمول بها خارجيا، ولسهولة وتوفر الكوادر المدربة مشيرة إلى أن هناك كثيرا من الجهات تتحمل مسؤولية تعثر فتح تلك المصانع التي من أهمها الغرف التجارية خاصة فيما يتعلق بإصدار التصاريح وكذلك وزارة التجارة والصناعة فتقديم الطلب على جهة ما للحصول على الترخيص يأخذ وقتا كبيرا وقد لا تحصل عليه سيدة الأعمال، معتقدة "السندي" أن هناك مستقبلا قادما قد يحمل تشغيل النساء في المصانع وقد يكون ذلك قريبا في ظل المتغيرات الحالية، فالمهم وجود الحافز والثقة لدى المرأة السعودية والمحاولة للوصول لذلك الطريق وتفهم الرجل لطبيعة طموحها ورغبتها في العمل. وتقول سيدة الأعمال ناديا الدوسري: "لنسأل أنفسنا لماذا الوظائف محدودة للفتيات في المصانع؟ هل السبب من المصانع نفسها؟ أم هي القوانين والأنظمة التي تحظر تواجد الرجال والنساء في مكان واحد للعمل؟ لا ننسى أن المصانع هي في النهاية شركات ربحية لها ميزانيات محددة، وليست جمعيات خيرية للتوظيف. أي بالنهاية سوق العمل عرض وطلب ولا يستطيع صاحب المصنع أن يضع ميزانية خاصة لعزل النساء.. وحتى لو فعل بعض الصناعات أو اغلبها لا تستطيع فيها الفصل بسبب نوع العمل، والسؤال الذي لابد أن نجد له إجابة يتمثل في" كيف استطيع توظيف سيدات في بيئة من الصعب فصل الرجال عن النساء؟ ولو فرضنا أن ذلك ممكنا هل التدريب للكوادر النسائية أو الرجالية مجاني؟ بمعنى مالذي يدفع صاحب أو صاحبة المصنع على تدريب كل تلك الكوادر وتحمل التكلفة والوقت والجهد الذي هو أهم من المال.. ما الذي يحفز صاحب المصنع وهو صاحب مصلحة اقتصادية ويتحمل عبء الخسارة وحيدا لو فشل جميعها أسئلة لابد أن توضع على مائدة النقاش لنفهم ما يحصل.