ارتبط مفهوم العمل الخيري أو التطوعي بالمؤسسات الدينية، أكثر من ارتباطه بالمؤسسات المدنية. وبعد الأحداث الإرهابية التي استهدفت البلدان الإسلامية ارتفع مستوى المسؤولية الرسمية والاجتماعية للتنبّه إلى خطورة فتح الباب مهملاً أمام تلك الجمعيات وربطها بنظام الجمعيات الخيرية. لدينا 245 جمعية في السعودية الكثير منها يعاني من ضعف إداري، وقصر نظر على مستوى الرؤية التنموية؛ ذلك أن بعضها نشأ من خلال تبرعات بسيطة أو "مستودعات" لا تنظمها هيكلة إدارية تضبط حركة العمل التطوعي وتربطه بالنظم الإدارية المعتمدة وفق الأنظمة والقوانين، كما لا تعتني بالجانب الإداري الذي يحوّل العمل من عمل تطوعي فوضوي، إلى فعل إنساني مدني يحقق المراد المنشود من إنشاء وتأسيس تلك الجمعيات. من الخطأ أن نحصر العمل التطوعي بالجمعيات الخيرية، بل حتى مؤسسات المجتمع المدني تقوم بأعمال إنسانية جليلة، أستشهد بما فعلتْه مؤسسات المجتمع المدني في بريطانيا، حيث هبّ البريطانيون بالتبرع لضحايا فيضانات باكستان بأكثر من خمسة عشر مليون جنيه إسترليني. وهي من التبرعات المبكّرة التي قبضتْها باكستان، وهذا يعود إلى النظام الإداري المميز الذي يضبط سير تلك المؤسسات التي تعتمد على المجتمع في الفعل والتأثير . غير أن الوعي الاجتماعي ربما يكون سبباً في تعثّر الرؤية الأدق للعمل الخيري أو التطوعي أو الإنساني مهما كانت التسميات. كما نجد أن بعض أصحاب رؤوس الأموال يفضّلون الدفع لشخصيات وأفراد، أكثر من دفعهم تلك المبالغ لمؤسسات موثوقة ورسمية . وكان ذلك أحد الأسباب في حصول التسيّب فتصبح أموال الصدقات والزكوات سائبة في الغالب دون توظيفها توظيفاً مؤسسيا منظّماً عبر المؤسسة. بين يديّ أوراق تعريفية عن برنامج "كلانا" وهو مشروع تقوم به جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي. وهو برنامج يعنى بالمحتاجين الذين لا يملكون ثمناً لتكاليف الغسيل، والذين ضاقت بهم المستشفيات الحكومية، وبخاصةٍ ونحن نعلم أن أعداد مرضى الفشل الكلوي في السعودية آخذة في الارتفاع حيث أحصي أكثر من 9.400 مريض فشل كلوي في السعودية خلال العام 1428ه. وبقراءة ست صفحات تعريفية عن هذا العمل الجبار أيقنت أن هناك رؤى تتطور نحو تنويع أفكار العمل الخيري، وعدم حصرها بأفكار خيرية كلاسيكية، بل الأولى أن يُعنى التجّار بالمسألة الصحية، وأن يبنوا المستشفيات، ويتبرعوا للمرضى، إما بأجهزة أو بمستشفيات. إن مشروع "كلانا" نشر الطمأنينة في نفوسنا، بحيث نرى تنمية أفكار العمل التطوعي قد تطورت وأصبحت على مستوى كبير من التمدين، لم تعد الأعمال الإنسانية والخيرية مرتبطة فقط بالمسائل المتصلة بالدين كالتبرع ببناء المساجد مثلاً، بل حتى في بناء الإنسان ذاته. والعمل على إغاثته والوقوف معه في حالات التعثر والانكسار.