أختم مقالاتي عن العمل الخيري بالتأكيد على أن المطالبة بتشديد الرقابة على العمل الخيري وضرورة تنظيمه لا يعني محاربته أو محاولة إلغائه أو تقليصه بل القضاء على سلبياته المتمثلة في الفساد والاختلاس والتلاعب بصدقات المحسنين في دولة لها الفخر في تصدر قائمة الدول المانحة للمساعدات الإنسانية، والتي تعتبر إحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية السعودية. المطلوب إذن هو شكل جديد من العمل الخيري يتناسب والمتغيرات الدولية التي فرضت نفسها على توجهات العمل الخيري الإسلامي سواء في داخل مجتمعاتنا الإسلامية أو في خارجها. فلقد شهد العمل الخيري، كما تقول أستاذة الخدمة الاجتماعية في جامعة الملك سعود بنية بنت محمد الرشيد، عدة تغيرات وتطورات في مفهومه ووسائله ومرتكزاته، وبدأت تظهر مساعدات اجتماعية جديدة تتمثل في اتجاه بعض أصحاب رؤوس الأموال إلى إنشاء مؤسسات خيرية تقوم على التعليم والتأهيل والتدريب بدلاً من تقديم مساعدات مادية، وظهرت نماذج جديدة من مؤسسات خيرية للتدريب والتأهيل مثل (برنامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع) وغيرها، مما ساهم في استثمار قدرات هؤلاء المحتاجين وإمكاناتهم للاعتماد على أنفسهم بدلاً من طلب المساعدة المستمر وهذا هو جوهر الخدمة الاجتماعية، وهو بلا شك يساهم في حل كثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع. ولا ينتهي حديثنا عن الجمعيات الخيرية دون التطرق إلى جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي، المعروفة اختصاراً بجمعية «كلانا». فالجمعية تدار بطريقة احترافية وإدارية تقترب من إدارة «البزنس» أكثر من قربها لإدارة العمل الخيري. كما أنها الأولى التي أدخلت طريقة التبرع الإلكتروني إلى ساحة العمل الخيري في المملكة، وذلك عن طريق استخدام الهاتف المحمول لتحصيل الاشتراكات لحساب الجمعية. وعلى نقيض بعض الجمعيات الخيرية التي ترى في الصحافة والإعلام عدواً ينبغي إبعاده عن شؤونها، نجحت الجمعية وبطريقة فاعلة في إشراك الإعلام في إيصال رسالتها للمجتمع لإطلاعه على نشاطات الجمعية. وقد ساعد هذا كله على تنمية الحس الاجتماعي لدى الفرد المتبرع والمتطوع وساهم في جعل المجتمع أكثر اطمئناناً وأكثر ثقة بأبنائه كما خفف من الشعور باليأس والإحباط وحد من النزعة المادية لدى أفراده. المطلوب أخيراً هو تفعيل العمل المؤسسي فيما يتعلق بالعمل الخيري أو بغيره من النشاطات المدنية التي يشارك فيها الناس مع جهود الدولة في شتى المناحي الحياتية في المجتمع. ومن الضروري هنا أن تتحول الجمعيات الخيرية للعمل المؤسسي المدروس الذي يقضي على أكبر قدر ممكن من السلبيات. ونتطلع مع الدكتورة الرشيد لليوم الذي تصدر فيه الدولة تشريعات تنظم العمل التطوعي الذي سيطور من مفهوم العمل الخيري. وأجدها مناسبة لإعادة التأكيد على أهمية تفعيل مؤسسات المجتمع المدني التي أقر نظامها مجلس الشورى وأحالها إلى مجلس الوزراء ولم يتم إقرارها حتى الآن. فالناس يجب أن يشاركوا من خلال جمعيات المجتمع المدني في كافة ما يتعلق بشؤونهم الحياتية. ونرجو أن لا يتأخر إصدار هذا النظام الذي أصبح أحد سمات المجتمعات المُتقدمة ومؤشرا هاما لقوة الدولة ومؤسساتها.