قرأت قصة الاعتداء الذي ارتكبه شاب أمريكي يدعى مايكل برايت على سائق التاكسي المسلم في مدينة نيويورك. الخبر الذي نشر في هذه الجريدة له وجهان جليان لا ينكر أياً منهما إلا سفيه. الوجه الأول أن شابا أمريكيا (22سنة) اعتدى على سائق أجرة مسلم بدافع الكراهية للإسلام. الوجه الآخر استنكار سكان نيويورك والمثقفين وكبار المسؤولين فيها هذا الاعتداء. الذي يتابع أبعاد الخبر يستطيع ربطه إذا أراد بالجدل الذي دار حول بناء مركز إسلامي بالقرب من مركز التجارة العالمي الذي هدمه أشقياء المسلمين مع الأسف. يشكل المسلمون نسبة معتبرة من سكان نيويورك ، زد على ذلك الزوار المسلمون الذين يختلفون على المدينة طوال العام. إذا أردنا الدهشة ليس المستغرب الاعتداء على شاب مسلم ،المستغرب أنه الاعتداء الوحيد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ما يزيل الاستغراب أيا كان سببه أن الأمريكان يعملون وفقا لمصالحهم ومستقبل بلدهم. إذا داهمتهم الخطوب يتركون مساحة للعاطفة تتأجج وتتفجر ثم يسارع مثقفوهم إلى أخذ زمام المبادرة لوضع الأمور في سياقها العقلاني. تأييد بناء المركز الإسلامي بالقرب من مبنى التجارة العالمي الذي دمره عدد من المسلمين أعلى درجات الشجاعة والعقلانية والرغبة في النصر الحاسم والأخير. إدانة هذا الشاب السكران الجاهل لا تأتي من محبة للإسلام أو أهله ولكن حماية للمثل الأمريكية التي أوصلت بلادهم إلى زعامة العالم. عندما يتحدثون عن التسامح والتنوع وحقوق الإنسان تراهم يسعون إلى تطبيقها على أرض الواقع. من يقرأ الحياة الأمريكية قبل عشر سنوات سيراها أفضل من الحياة قبل عشرين سنة والحياة في أمريكا قبل عشرين سنة هي أفضل من الحياة قبل ثلاثين سنة مما يؤكد أن الحياة في أمريكا بعد عشر سنوات ستكون أفضل من الحياة في أمريكا اليوم. (قارن ذلك بمعظم الدول الإسلامية). يسعى الأمريكان بكل إخلاص إلى تجسيد مثلهم ومبادئهم على أرض الواقع. رغم كل المجد الذي تعيشه أمريكا في عالم اليوم نسمع السيناتور الأمريكي الراحل تيد كيندي يقول ( مجد أمريكا مازال في المستقبل). الجدل الذي دار حول السماح للمسلمين ببناء مركز لهم أمام المبنى الذي هدمه أشقياء المسلمين يعد نموذجا للجدل الخارج عن قدرتنا على الاستيعاب. مجرد طرح موضوع كهذا يعد إما جنونا أو عظمة. تصور أن عددا من طائفة دينية لنقل الهندوس هدموا بدافع الكراهية بيت طين صغيرا في دولة إسلامية وقتلوا فيه ثلاثة مسلمين(وليس ثلاثة آلاف) هل سيجرؤ أبناء هذه الطائفة التقدم بطلب لبناء معبد لهم بالقرب من هذا المبنى؟ هل سيجرؤ أي من المثقفين المسلمين دعم هذه الطائفة والوقوف إلى جانبها في حقوقها. نقترب الآن من مسألة المفاهيم العليا.نتحسس الفرق بين الحديث عن المثل والمبادئ والتغني بها، وبين السعي بجدية إلى وضعها على أرض الواقع. الاعتداء الذي ارتكبه الأمريكي ضد الشاب المسلم يعد في نظر المتطرفين الأمريكان احتسابا ومايكل في نظرهم مؤمن محتسب. عمله هذا يضاعف من أجره ومن حسناته لكنه في نظر صانعي مجد أمريكا يعد معتديا آثما على القيم الأمريكية. ترى من يصنع مجد أمريكا، في نظرك، ومن يصنع تعاسة العالم الإسلامي؟