في زيارة سابقة لأحد (الكوشكات) التي تعلوها إعلانات مكثفة عن كفالة اليتيم والمنتشرة بكثرة في ممرات الأسواق المركزية وفي مقدمة أسواق (السوبر ماركت) الكبيرة والتي تمثل فروعا لجمعيات خيرية ومهمتها فقط استلام التبرعات النقدية من الناس والمارة .. في هذه الزيارة طلبت من الموظف المتواجد داخل هذا (الكوشك) معلومات عن كفالة اليتيم التي يعلنون عنها وكيفية تحقيق هذه الكفالة وهل هناك ضمان بعدم الازدواجية في كفالة اليتيم؟ والاهم من ذلك كله هو أين يوجد هذا اليتيم الذي ستتم كفالته وهل يحق للكافل التعرف على اليتيم شخصيا ومقابلته باستمرار ، وهل يمكن الحصول على معلومات شاملة عن هذا اليتيم وهل للكافل حق التواصل مع هذا اليتيم طوال كفالته له وتقديم كل مايحتاج إليه ؟ حينها تأكد لي أن معظم الموظفين الذين يتواجدون عادة في مثل هذه الأكشاك لا يستطيعون تقديم أي معلومات مقنعة للسائل عن هذا الأمر !! لذلك فان مثل هذه التساؤلات لم ترق للموظف!! الذي أصر على أن مهمتهم فقط هي قبض المال ممن يرغب في الكفالة !! وان منسوبي الجمعية هم بدورهم من سيتولون كل هذه الإجراءات نيابة عن الكافل !! وانه ليس بإمكان الكافل أن يتعرف على اليتيم او الاتصال به !! لكن المهم في كل ما قاله أن هؤلاء اليتامى الذين تتم كفالتهم هم في خارج المملكة في أفريقيا وفي آسيا .. وسألته ألا يوجد في المملكة أيتام هم أولى بالكفالة ؟! ولكن توقف الحوار دون ان يستطيع تقديم أي إجابة !! .. وفي جانب آخر نعلم ان مصارف الزكاة تتوجه إلى ثمانية أوجه وهي (الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل ).. والكل يدرك أن هناك في مجتمعنا مواطنين، وأن هناك أُسرا وهناك عائلات سعودية تستحق هذه الزكاة وهي في عوز شديد وهي أولى بمثل هذه الزكاة وهذه الصدقات .. لكن العائق الأكبر أنهم أشخاص أو هي أسر عفيفة لا تسأل الناس إلحافا، وتخجل من الذهاب والتردد على مثل هذه الجمعيات والوقوف أمام بواباتها أو تقديم التوسلات والواسطة لمن يعمل فيها لعل وعسى ان تشملهم المساعدة بالقدر الذي يسد عوزهم !! لذلك ظلت هذه الحالات بعيدة عن الأعين ولذلك أهملت وغابت عنها المساعدات في ظل تنافس وصراع شديد من قبل بعض (غير المستحقين) وفي ظل سيطرة الآخرين على هذه المساعدات ، لذلك ظلت هناك أسر وبقي محتاجون من المؤكد أن لا احد يعلم عنهم شيئا ولا تعرفهم هذه الجمعيات الخيرية ، والراغبون في الصدقة لا يعرفون كيف يصلون إليهم ... حقيقة في مسألة كفالة اليتيم وفي مسألة التبرعات وزكاة المال والصدقات هناك جانب غير واضح لمن يرغب في الوصول مباشرة الى اليتيم او إلى المسكين فعلا او إلى الفقير الحقيقي .. وأمام أعداد المتسولين عند المساجد وعند الإشارات وعند الأسواق والمتزاحمين عند ابواب الجمعيات وأمام بعض الشكوك التي تدور حول صدق الكثير منهم والشك في نواياهم وفي احوالهم وفي جنسياتهم وفي نظاميتهم .. أمام هذه الظاهرة فإن كل من يرغب في تقديم الصدقة والكفالة والزكاة أصبح في حيرة كبيرة جدا وفي تردد من اجل التوخي قدر الامكان في البحث عن المستحق الفعلي .. لذلك اصبح فاعل الخير ومحب الصدقة مجبرا على تقديم المال إلى هذه الجمعيات الخيرية المنتشرة في كل مكان والتي يكثف نشاطها واتصالها برجال الأعمال وبأعيان المجتمع من خلال المنشورات التي يكثر توزيعها خلال أيام شهر رمضان فهو الشهر الذي اعتاد فيه الناس على توزيع زكاة اموالهم وتبرعاتهم وصدقاتهم .. كفالة اليتيم والزكاة والصدقات تشريع إسلامي نبيل ولله الحمد يهدف إلى مكافحة الفقر والشح والأنانية والجشع في المجتمع الإسلامي كما يهدف إلى بناء التواصل والترابط والتآخي الإنساني والشخصي والاجتماعي والأسري بين كافة أبناء المجتمع .. لكن أليس من الافضل ان يتم من خلال الاتصال المباشر والتواصل بين المتبرع والمستحق؟ وهذا عمل محبب ومطلوب وهو في الأصل مبدأ إسلامي مثالي ونبيل يجب ان نعيده وان نحافظ عليه كما كان في السابق .. لذلك فانه ليس من المناسب ان نوجد حواجز بين فاعلي الخير والمستحقين للمساعدة من خلال هذه الجمعيات الخيرية التي احتكرت كل هذه المهمات تقريبا لذلك رأينا ان هذه الجمعيات قد تحولت مع مرور الوقت إلى ( أداة للخدمة) شأنها شأن الخدمات الاخرى كخدمات التوصيل وخدمات النظافة وغيرها ..!! وهذه ظاهرة تنمي الاتكالية وتغذي التفرقة والتباعد بين أبناء المجتمع !! واصبح الاعتماد على مثل هذه الجمعيات عاملا كبيرا في نشوء الطبقية بين افراد المجتمع بسبب عزل المتبرع عن المستحق!! ليس ذلك تشكيكا في أداء بعض هذه الجمعيات .. لكن احتكار الجمعيات الخيرية لكل مهام التبرعات لا يخدم فكرة التواصل الاجتماعي المفترض أن يبنى من خلال هذه الأعمال الخيرية المباشرة فقط .. إذاً أليس من حق المتبرع إذا رغب أن تتاح له الفرصة بالاتصال المباشر بأحد المستحقين لهذه الزكاة ؟ أليس من حق من يرغب في كفالة اليتيم ان يتعرف على شخصية اليتيم ، وان يكون على اتصال مستمر معه ؟ أليس من حق اليتيم ان يكون كافله هو الكفيل الوحيد له دون ازدواجية في الكفالة ؟ إذاً لماذا لا تساهم كل الجمعيات الخيرية في تقديم خدمات أخرى إضافية واختيارية - لمن يرغب - تتمثل في تقديم معلومات شاملة ومحدثة أولا بأول عن جميع اليتامى وعن جميع الفقراء وعن جميع المساكين والغارمين وغيرهم وتقديمها لكل من يرغب بكل سرية ووفق تنظيم محكم ، ويتم إعداد هذا التنظيم لكل المستحقين للكفالة وكل المستحقين لهذه الزكاة او هذه المساعدات وإتاحة الفرصة للمزكي ولكافل اليتيم ولفاعل الخير بالاتصال مباشرة بالمستحق والضعيف واليتيم والوصول إليهم بكل يسر ، وتقديم الزكاة والكفالة والمساعدة لهم مباشرة إذا رغب هو في ذلك؟!